فاروق شوشة فى آخر حواراته لـ «الأهرام» قبل الرحيل:
نحتاج إلى تجديد العقل والتفكير خارج المألوف

حوار : تهـانى صـلاح تصوير: محمد مصطفى

&

لعب فاروق شوشة –رحمه الله - أدوارا ثقافية متعددة فهو أحد أهم شعراء الستينيات في مصر الذي ساهم في ترسيخ وتطوير الشعر العربي ،فقد شكلت مجموعاته الشعرية إضافات إلى نهر الشعر الحديث ،كما كان أحد الوجوه الإعلامية المهمة التى لعبت دورًا كبيرًا في تعريف الجمهور طوال عقود النصف الثاني من القرن العشرين بالشعراء والمثقفين والكتاب المصريين والعرب من خلال برنامجه التليفزيوني الأشهر»أمسية ثقافية»،

&

وأحد أهم حرَّاس اللغة العربية في الوطن العربي،سواء من خلال عضويته في مجمع اللغة العربية وأمين عام له إلى جانب برنامجه الإذاعي «لغتنا الجميلة» وهو المصطلح الذي أصل له على مدار عقود طويلة محببا الأجيال المختلفة في اللغة العربية وكاشفا عن جمالياتها ودررها الأثرة، بالإضافة إلى إبداعاته النثرية المتعددة ودراساته الأدبية التى أثرى بها المكتبة العربية . وكان صوتا ثقافيا قويا من الداعين إلى تجديد العقل وإصلاح المفاهيم وصنع منطلقات جديدة للتفكير..ولهذا حصل شوشة على العديد من الجوائز المصرية والعربية والتى توجت بعد حياة إعلامية وأكاديمية وإبداعية حافلة بالمنجزات بجائزة النيل .والتى التقيته على أثرها فى هذا الحوار وكان عبارة عن بانوراما لحياته المهنية والشخصية ،والذى نشر جزء منه فى حينه نظرا لضيق المساحة.. واليوم ننشره كاملا للتعرف على بعض آراء وأفكار هذه القامة الإعلامية والأدبية والشعرية والتى لن تتكرر.


فاروق شوشة شاعر غنى عن التعريف فهو صاحب أهم البرامج الإذاعية «لغتناالجميلة» والتليفزيونية «أمسية ثقافية» ودواوينه وكتبه تملأ المكتبات بالإضافة إلي بحوثه اللغوية والإعلامية الرائدة،اهتماماته متداخلة على رأس قائمتها الشعر ،واللغة العربية، والمجال الثقافى العام.

إبداعه له مذاق خاص ينم عن موهبة حقيقية، ولم لا وهو ابن قرية الشعراء وحفيدهم وسليلهم وحامل رسالتهم, والعازف علي ربابتهم, فالشعر يشكل النواة الصلبة في رحلته مع الحياة، ويرى أنه حالة وطقس وهواء ورؤى وجماليات، تنطق بها المشاعر والأحاسيس بعضها يترجم بالكلمات..حياته محورها الشعر ويدور في فلكه الواسع، وهو من المؤمنين بأن الحديث الحقيقي عنه لا يكون إلا بالشعر أيضاً، فالشاعر يستطيع وصف حياته والتعبير عنها بكل تفاصيلها الدقيقة من خلال قصيدة ينظمها بإحساسه ومشاعره،وكما قال فى أحاديث سابقة»حياتي قصيدة شعر».

وفي مكتبه الذى يطل على صفحة النيل الخالد بمجمع اللغة العربية استقبلنا بضحكته الصافية السمحة، وروحه العذبة التي تهون عليك صعوبات الحياة وحرارة الجو فى نهار رمضان, وتواضعه الجم الذى يذكرك بمعني إنساني نكاد نفتقده من الغالبية العظمي في صراعات الحياة، تحدثنا معه عن الجائزة.. وتحاورنا فى الشعر والأدب واللغة.. واستمعنا لآرائه الثاقبة حول تجديد الخطاب الثقافى..وأفاض فى الحديث عن المرأة والأحفاد والذكريات:

&



.........................

> ما هو شعورك بعد فوزك بجائزة النيل ؟

الجائزة عندما أفكر فيها أجد أنني أتجول فى عدة معانى ،المعنى الأول: أن الوطن لا ينسى من فيه من المبدعين أو المثقفين والمفكرين والفنانين بالرغم من انشغالاته فى قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية ، لكن فى نفس الوقت هناك مجال من خلال مؤسسات كبرى مثل المجلس الأعلى للثقافة تشرع فى تكريم طائفة أخرى من صناع هذا الوطن .

المعنى الثانى: أن هذه الجائزة كشفت لى الكثير عن علاقاتى بالآخرين، وهى لحظة فارقة فى تحديد من هم الأصدقاء الحقيقيون ومن هم الزائفون الذين يحاولون أن يظهروا بمظهر الأصدقاء وهم ليسوا كذلك .

الأمر الثالث: بالنسبة لى أنها لحظة مراجعة للنفس ومحطة لابد من التوقف عندها والسؤال ماذا صنعت.. وماذا أنجزت من المشروع الذى صنعته لحياتى فى بداية المشوار الثقافى خصوصا أن الدوائر التى أهتم بها متداخلة وهى الشعر كمنطلق أساسى ،واللغة العربية لغة هذا الشعر ،ثم المجال الثقافى العام الذى تتحرك فيه اللغة والشعر.

> هل الجائزة تأخرت من وجهة نظرك؟

أعتقد أنها تأخرت كثيراً ،وأنا أقيس المسألة بحصولى على جائزة الدولة التقديرية منذ عشرين عاماً فى 1996 وكنت أول من حصل عليها من جيل الستينيات، وبعدها حصل عليها كثيرون ،وعندما انظر بعد عشرين عاماً من جائزة قدمت فى وقت سابق يصبح الزمن طويلاً ،ولكن بالنسبة لشواغل الوطن ككل أقول لست وحدك الذى تصبر، ولكن هناك من جيلى ومن أجيال أخرى الكثير من المنتظرين.

> هذا العام حصل العديد من الشعراء على جوائز ..فما دلالة هذا؟

هو يؤكد أن الإبداع الشعرى ما زال بخير ،فنجد هناك إبداعات فى مجال شعر القصيدة ،والشعر المسرحى،والشعر المكتوب للأطفال ، وبالتالي هو مؤشر يدل على أن الشعر فن يحيى ويفرض وجوده باستمرار، وانه يلاقى من المهتمين على مستوى الفكر والنقد والمؤسسات ما يليق به من الجوائز التى تقدم ،فهى ظاهرة تؤكد الحضور الشعرى خصوصاً وان بعض الجوائز كانت لشعر العامية إلى جانب شعر الفصحى، مما يؤكد أن الشعر بأنواعه المختلفة له مجاله وله معجبوه.

> حياتك حافلة بالإبداعات الإعلامية والثقافية واللغوية..فما هى أهم المحطات فى هذه الرحلة؟

المحطات الإبداعية كانت مرتبطة بعدد من الجوائز أولها جائزة الدولة التشجيعية لديوان «الدائرة المحكمة» ولقى هذا الديوان حفاوة كبيرة من مؤسستين ،مؤسسة الشاعر محمد حسن فقى للإبداع الشعرى وكنت أول من حصل عليها ،ثم جائزة كفافيس للإبداع الشعرى وهى جائزة دولية يونانية مصرية ،وبالتالى كانت هذه المنطلقات فى البداية بمثابة التشجيع الحقيقى لشاعر فى بداية الطريق .ثم جاءت جائزة الدولة التقديرية وكان أساسها هذا الإبداع الشعرى مضافاً إليه النشاط الثقافى فى الإعلام وفى غيره كمؤشر ،ثم تجيء جائزة النيل الآن.

فالشعر ارتبط بمراحل مختلفة وهو الذى نقل صوتى إلى جماهير واسعة وجعلنى فى الدائرة التى يهتم بها الناس عندما يبحثون عن شعر وشعراء.

> من القضايا التى تشغل الوسط الثقافى الآن قضية تجديد الخطاب الثقافى خاصة بعد انعقاد الملتقى الدولى الأول له ..فما هو تصورك لتجديد هذا الخطاب؟

أنا أفضل أن اسميه تجديد العقل ،لأن الخطاب هو التعامل مع الآخر وهو يعكس فكره واهتمامه وتوجهه ،إذن نحن كما طرحت قضية تجديد الخطاب الدينى ،نسأل ما هو تجديد الخطاب الدينى ..هل هو مجرد لغة كلام أم لغة اتصال وطريقة إبداع فى مجال التأليف والكتابة ؟إطلاقا ..بل هو تغيير مفاهيم متخلفة فى بعض العقول ،هذه المفاهيم مرتبطة بالخرافة المرتبطة بسلبيات ثقافية أو ما يسمى الثقافة ولكنه ليس ثقافة ايجابية تنويرية ، وهذا يعوق تجديد ما نسميه الخطاب وهو فى الحقيقة العقل ،أنا أدعوا إلى تجديد العقل وإصلاح المفاهيم وصنع منطلقات جديدة شجاعة وجريئة للتفكير، وكما نقول فى مسائل كثيرة التفكير خارج الصندوق ، نقول تجديد الخطاب لا يجيء إلا بتفكير العقل خارج المألوف، وأن نعمل العقل فى كل أمور حياتنا ونتجنب الخرافات والأساطير والسلبيات الموجودة فى المجتمع والمتشكلة فى صورة عادات وتقاليد كلها بائسة ومريضة وتجر إلى الخلف مثل ظاهرة «الختان» لا تحل لمجرد تجديد الخطاب، ولكن بمخاطبة عقول هؤلاء الناس وتغيير مفاهيمهم.

> هل لمجمع اللغة العربية دور فى هذا وأنت أمين عاما له؟

مجمع اللغة العربية يخطط للواقع اللغوى ،وليس مؤسسة تنفيذية ولا يضع مناهج دراسية ولا يؤلف كتبا مدرسية، ولكن هناك مجموعة من علماء اللغة وأقطابها فى مصر بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من العلماء فى ميادين العلوم المتخصصة يعملون من خلال لجان وأبحاث ومن خلال مؤتمر سنوى، ليعبروا عن فكر جديد بالنسبة للغة،لأن قانون المجمع أساسياته الحفاظ على اللغة لجعلها وافية لاحتياجات الناس فى كل عصر،أى أنه هو المسئول على أن تكون اللغة حية وصحيحة ومتطورة ومحققة لآمال الناس ومطامحهم فى الاستخدام اللغوى فى التأليف والترجمة والتعريب، هذه كلها اهتمامات المجمع، ومن حيث الصلة بمؤسسات المجتمع الأخرى كالتعليم مثلا لدينا لجنة للغة العربية وبها المستشار الأول للغة العربية فى وزارة التعليم ونحاول أن نوجه إلى صنع مناهج جديدة من خلال خبرة لغوية مختلفة، وكيف يهيئ معلم اللغة العربية للقيام بهذه الرسالة، وبالتالي المجمع يخطط وعلى المؤسسات المعنية أن تنفذ.

> وما السر فى اتجاهك إلى كتابة المقالات فى جريدة الأهرام عن رموز الأدب والفكر والاهتمام بالقضايا الثقافية ؟

هى بدأت بدعوة كريمة من مؤسسة الأهرام سنة 1999 بعد أن افتقد الأهرام بعض كتابه وكان فى طليعتهم الناقد الراحل الدكتور على الراعى، وأذكر وقتها أن الأستاذين الكبيرين إبراهيم نافع وعبد الوهاب مطاوع كانا وراء هذه الدعوة ، وعندما قلت للأستاذ عبد الوهاب أننى شاعر قال لى: أنني قرأت لك مقالات فى عدد من المجلات تعبر فيها عن آرائك فى قضايا أدبية وثقافية، فبدأت كتابة المقالات وأحسست أنني بهذه الكتابة فتحت دائرة أوسع من الدائرة الشعرية فى الاتصال بالناس، لأن الدائرة الشعرية فى العالم العربى بحكم اللغة الشعرية الرمزية والصعبة دائرة ضيقة، وليس كل إنسان يستطيع أن يقرأ القصيدة قراءة صحيحة أو يتذوقها، أما الرواية والقصة والمسرحية سهلة التلقى، وعندما بدأت كتابة المقالات كنت أتعامل فى دائرة أوسع من الاهتمامات ومن القراء، وانعكس هذا على حياتى الأدبية والشعرية فى الاهتمام بالقضايا الثقافية فى المجتمع اهتماما حقيقيا، والطريف أنني من خلال هذه المقالات وهى حصاد تسعة عشر عاما من الكتابة المستمرة صنعت خمسة كتب أعتز بها.

> لك قصيدة بعنوان «خدم.. خدم» تشن فيها هجوما على المثقفين.. لماذا ؟

لم يكن هجوماً بالمعنى ولكنه كان توصيفاً، والقصيدة قديمة تعود لأكثر من عشر سنوات ،وكٌتبت فى زمن ما قبل الثورتين، وكان واقع المثقفين أمامي يتمثل فى أن الدولة تعاملهم بالجزرة والعصا ،الجزرة للمنتمين والمؤازرين والسائرين فى الركب ،والعصا للخارجين ويتحقق هذا من خلال سجون ومن خلال إبعادهم عن مناصب ثقافية قيادية ومن خلال إحكام دوائر الحصار حولهم ، وكنت أرى أن معظم المثقفين قد تخلوا عن رسالتهم، والرسالة الحقيقية للمثقف أنه ضمير المجتمع ويساره الفكرى الذى يسلط عينيه على السلبيات ويكشف النواقص، وليس دوره أن يكون مؤازراً لكل ما يحدث وكل ما يدور.فكتبت القصيدة كوخز باعتبارها لون من شد الانتباه وكتبتها وآنا واحد من هؤلاء المثقفين ومن اقرب الناس لمطالعة السلبيات ورؤيتها ،وقادر على الكشف عنها .

> وهل تغيرت رؤيتك بعد الثورتين الأخيرتين؟

أعتقد أن بعد الثورتين 25 يناير و30 يونيو هناك قدر كبير من الوعى بمسئولية المثقف ،وقدر كبير من التفات الدولة إلى أنها لا تريد المنافق ولكنها تريد من يصوب ويصحح وينقد ،البعض يرى أن فى موقف الدولة فرصة للتجاوز ما دامت الدولة متسامحة لا تقوم بما كان يقوم به الآخرون ، الرأي مهما كان صعباً وقاسياً يمكن أن يقال فى حدود التهذيب والتواصل وعدم الغرور وعدم الإحساس بأن ما أقوله هو الحقيقة وحدها ،الحقيقة لا يملكها شخص واحد ولكن يملكها كثيرون، فكل واحد منا ينظر إلى الحقيقة من زاوية ضيقة وإذا اعتبرها كل الحقيقة فقد اخطأ.

> كتابك «عذابات العمر الجميل»هو عبارة عن سيرة شعرية ..وقد كتب بعض الشعراء سيرهم الشعرية مثل نزار قبانى وصلاح عبد الصبور..فهل كتبتها اقتداء بهم ؟أم لماذا؟

نزار قبانى وصلاح عبد الصبور كانت كتاباتهما أهم ما فيها أنها توضح لماذا كتبا هذه القصائد بهذه الطريقة فى هذا الوقت وكأنها كانت خلفية للتوضيح والكشف.

أما أنا فأعتقد أنني كٌنت بينى وبين نفسى حريصاً على أن أبرز المرحلة التى تكونت فيها، وكيف كانت لأنها كانت مختلفة، نشأتي فى بيت معلم،هذا المعلم لديه مكتبة،المكتبة شعرية فى الأساس ،هو نفسه كان يكتب شعراً ولا ينشره ويعيش حالة شعرية كإنسان،والتفاته إلى كتاباتي الأولى ومتابعته لي كانت تلعب دوراً مهماً فى حياتي، أيضا الواقع الطبيعي الذى عشت فيه فى قرية جميلة تقع فى نقطة التقاء بين النهر والبحر وتمتاز بأشجار النخيل والتوت والزيتون ،كانت واقعاً طبيعياً فتح عينى على معجزة اللون ،اللون فى الطبيعة والحياة والناس والطباع، وكان هذا المدخل مدخلاً لفهم أشياء كثيرة،أيضا ما أتيح لي فى سن مبكرة قبل السادسة أن أكون فى الكٌتاب وأحفظ ما استطيع من القرآن الكريم ،لأن والدي كان يهيئني للتعليم الأزهري ،وهو أمر لم يتحقق لأن التعليم الأزهري كان يتطلب أن أكون فى سن متقدمة، ولكن المدرسة كانت تبدأ فى سن مبكرة، فتوجهت إلى المدرسة ولم ألتحق بالأزهر،وإن كنت كما قال شوقى قد أفدت من كثيرين من علماء الأزهر ومؤلفاتهم وسيرهم ،وشوقى كان يقول وهو يخاطب الأزهر:

ما ضَرَّني أَن لَيسَ أُفقُكَ مَطلَعي

وَعَلى كَواكِبِهِ تَعَلَّمتُ السُرى

فانا لم اخرج من سماء هذا الأزهر ولست من نجومه ،ولكن تعلمت الاهتداء من علمائه.

> وهل للمرأة دور فى هذه السيرة الشعرية ؟

طبعاً.. لأني تكلمت من البداية على أول اهتزازة فى نفسى لفتاة القرية، ربما قبل أن ادخل سن المراهقة الحقيقية، وربما كان الشعر واهتمامي به وتخيلي لعوالم الشعراء الذين قرأت لهم فى تلك الفترة وأحببتهم بدءاً من شوقى وإبراهيم ناجى ومحمود حسن إسماعيل وعلى محمود طه، والأخيران من شعراء المدرسة الرومانسية الكبار، ربما هذه الحالة الشعرية الرومانسية هى التى جعلتنى أهتم بالفتاة التى ستصبح امرأة ،واهتم بالمرأة بعد ذلك فهى المرأة الأم والأخت ثم تجيء الحبيبة وتكتمل الرحلة بالمرأة الزوجة.

> ما هى ذكرياتك عن رمضان فى قرية الشعراء ؟

رمضان فى القرية المصرية له طقوس، ففى الوقت الذى يسبق الغروب وآذان المغرب تصمت فيه الكائنات، وكنت ألاحظ ما يسمى صمت الطبيعة، وبالتالي عندما يؤذن المؤذن دون مكبرات صوت كما هو الحال الآن كان ينتشر صوته فى كل ربوع المكان، بمجرد أن شخصا من فوق المئذنة يصيح نشعر بأن الدنيا تتغير.

أيضا العلاقات الاجتماعية والإنسانية فى رمضان فى البيوت خاصة بيوت صفوة العائلات فى القرية مفتوحة للجميع دون دعوة ، كل من يمر أمام بيت ويسمع الآذان عليه أن يدق الباب ويدخل، وفى نهاية رمضان ما زلت أذكر الحرائق التى كنا نشعلها حول القرية حتى لا تدخل الجن والعفاريت إلى القرية ،لأنهم كانوا خارجها فى رمضان ونحن لا نريدهم أن يعودوا بعد رمضان فنشعل النيران لنمنعهم من دخول القرية.

وفكرة المسحراتي وأنغامه الجميلة، والسهر فى مقاهى القرية والسماح لنا بالسهر فى ليالى رمضان لأنه أمان فنأخذ حقنا فى وقت الليل باللعب والسهر، وكلها ذكريات اعتز بها.

> لك أربعة أحفاد ولكل واحد منهم ألفت ديواناً شعرياً ..فهل الشعر خاصة للأطفال يعتبر مرآة لحياتك الشخصية؟

عندما أنجبت يارا وهى ابنتى الكبرى كتبت لها قصيدة لتصوير لحظة معينة شعرت فيها بأن قطعة منى تمشى وتتحرك فى البيت ..وعندما ولدت رنا ابنتي الثانية تجدد نفس الشعور وكتبت لها قصيدة.

لكن الكتابة عن الأحفاد كانت مختلفة لأن المسافة الزمنية أكبر وانعطافي نحو هذا الجيل الصغير انعطاف كبير، وعندما ينحني الجد للقاء مع الحفيد هذه الانحناءة أكبر من انحناءة شاب فى منتصف العمر مع أبنائه.

الأمر الثاني أنني أتيح لى متابعة حياة الأحفاد من اليوم الأول، وعندما ألفت أول مجموعة شعرية للأطفال عن الحفيدة الأولى «حبيبة» كنت أتابعها فى النمو يوما بيوم ، فعندما تهتز قدماها لسماع الموسيقى أكتب «حبيبة والموسيقى» وعندما تشعر بنشوى وفرح وهى تستحم فى حوض السباحة وتعبر عن انطلاقها أكتب «حبيبة والماء» وحينما احملها وتنظر من الشباك إلى القمر فيصيبها فى البداية شعور بالخوف ثم تبدأ فى التعرف عليه فاكتب «حبيبة والقمر» وهكذا.فالمتابعة اليومية للأحفاد كانت وراء كتاباتي عنهم ، وكنت أحس أنني لم اكتب لهم وحدهم، ولكن اكتب لكل الأطفال فى أعمارهم، وان الشعور الذى بداخلي وأنا جد يختلف كثيراً عن الشعور الذى كان فى داخلي وأنا أب.

> ما هى آخر مشاريعك الإبداعية؟

مشاريعي متفرعة فأنا أهيئ الآن أحدث القصائد لتصدر فى مجموعة جديدة .

الأمر الثاني الذى يشغلني أكثر أن أتم مجلدات لغتنا الجميلة التى أصدرها الآن وقد صدرت منها خمسة مجلدات - ولكنها بكل أسف طبعت خارج مصر- لأن إعداد الحلقات الإذاعية لتكون فصولا فى كتاب هى إعادة كتابة، وأنا الآن أهيئ المجلد السادس للطباعة .

الأمر الثالث أن لدى أوراقاً ومقالات وقصائد لم تنشر، واعتقد أن من حقها أن ترى النور وتصافح الحياة مثل شقيقاتها التي نشرت من قبل.

> ومتى سيكتب فاروق شوشة سيرته الذاتية؟

سيرتى الذاتية طويلة وممتلئة وصعبة،وقد كتبت بعض فصولها فى الأهرام وصدرت فى كتابين، الكتاب الأول «وجوه فى الذاكرة» كتبت عمن عرفتهم عن قرب وعايشتهم وكانوا فى نفسي ووجداني، والكتاب الثانى «أبوابك شتى» وفى هذين الكتابين أجزاء من السيرة الذاتية ،أما السيرة الذاتية المكتملة فى كتاب فهذه تريد تفرغا فامنحيني تفرغاً لعام كامل.

رحم الله الشاعر المبدع فاروق شوشة الذى لم يمهله القدر لاستكمال سيرته الذاتية، ولكن عزاءنا الوحيد هو الحفاظ على ما تركه لنا وللحياة الثقافية والإعلامية والأدبية حتى تستفيد منه الأجيال القادمة.