عبير مشخص

ما الذي يجمع بين مكتبة للأطفال في الصين وبين مسجد في بنغلاديش مع حديقة عامة في كوبنهاغن؟ الصلة هي ما أهَّل تلك المشروعات لتفوز بواحدة من أشهر الجوائز المعمارية في العالم، وهي جائزة أغا خان للعمارة الإسلامية. فهي مشروعات اجتمعت فيها عوامل العمارة مع التوجه لمعالجة القضايا المجتمعية الحديثة.
كل ثلاثة أعوام تمنح جائزة أغا خان للعمارة الإسلامية لمجموعة من المشروعات المعمارية التي تتطرق لاحتياجات المجتمعات الإسلامية. في هذا العام شملت قائمة الفائزين ستة مشروعات، منها حديقة للتسامح في الدنمارك، ومسجد في بنغلاديش، ومعهد عصام فارس بالجامعة الأميركية ببيروت، وغيرها. وتم الاختيار من 248 مشروعا تقدمت للجائزة من 69 بلدا.
بمطالعة كل مشروع من المشروعات الستة، نستطيع أن نرى أن تقييم لجنة الجائزة اتجه للمشروعات التي تركت أثرا واضحا في مجتمعاتها. وفي خلال حديث مطول مع فاروق دراكشاني مدير جائزة أغا خان للعمارة الإسلامية، تطرقنا للمعايير التي تتبعها الجائزة في تقييم المشروعات المقدمة، وأهمية أن يكون المشروع «مرتبطا بالتطورات المجتمعية». ولا يكتمل حديث عن العمارة الإسلامية في هذا الوقت تحديدا من دون التساؤل عن مصير المباني التراثية التي تعرضت للهدم والخراب في العالم الإسلامي بسبب الصراعات المسلحة.
بداية يتعرض دراكشاني للمشروعات التي فازت بجائزة هذا العام، وهي: مسجد بيت الرؤوف، ومركز الصداقة في بنغلاديش، ومكتبة ومركز هوتونغ الفني للأطفال في الصين، وحديقة سوبركيلن في كوبنهاغن بالدنمارك، وجسر تابيت للمشاة في طهران، وأخيرا مؤسسة عصام فارس بالجامعة الأميركية ببيروت، وهو من تنفيذ مكتب المعمارية الراحلة زها حديد.
«الشيء المميز في هذه الجائزة هو أننا وعبر لجنة التحكيم نضع نصب أعيننا القضايا الأساسية في المجتمعات الإسلامية، والمشروعات التي تعبر عن تلك القضايا. كل ثلاثة أعوام نمنح جوائز لمشروعات تعبر عن الوقت الحاضر، فالمشروعات الفائزة اليوم تختلف في طبيعتها عن المشروعات التي فازت منذ عشرين عاما».
المساحات المفتوحة للناس هي من أهم احتياجات الشعوب الإسلامية حسب ما يشير، ويستطرد موضحا: «المجتمعات التقليدية تغيرت، والآن أصبح لدينا مدن من دون مساحات مفتوحة». في هذا الإطار يشير إلى مشروع متنزه سوبركيلن في الدنمارك، والذي يهدف للترويج للتسامح بين المهاجرين والسكان المحليين. المتنزه يثبت أن للمعمار دورا في الفعاليات الاجتماعية، «يجتمع الناس هنا وترين أمامك التلاحم الاجتماعي، أعتبر الحديقة بمثابة مساحة للتنفس». ويشير إلى نجاح التجربة في اندماج المهاجرين والمقيمين، مما حول الحديقة لواحدة من عشرة معالم سياحية في كوبنهاغن.
المتنزه يتكون من سلسلة من الساحات العامة الواقعة في منطقة فقيرة يعيش فيها المهاجرون في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن. ويكون مكانا يتجمع فيه مواطنو ستين دولة، يعيشون في تلك المنطقة، بينهم كثير من اللاجئين.
ومن المعالم الرئيسية في المتنزه منحوتات إسلامية وسلالم للتزلج، ويمكن للنساء المسلمات أن يأتين بصحبة أطفالهن للعب بالأراجيح.
بالنسبة لدراكشاني، مسجد بيت الرؤوف بمدينة دكا في بنغلاديش يغير من مفهوم بناء المساجد، فهو لا يعتمد على الحجم أو الزخارف، «هنا لدينا مسجد يقع على أطراف مدينة دكا، يبدو كجوهرة صغيرة، عندما تدخلينه تحسين بالروحانية تنساب في جوانبه». يشير إلى أن بناء المسجد غير تقليدي، فليست به منارات أو قبة، مؤكدا على عدم مناسبة الأخيرة للطقس الممطر والمعرض للفيضانات في إندونيسيا.
في الصين حيث قام معماري بتطوير ساحة بها مبان سكنية تقطنها 12 عائلة. الساحة كانت مقرا لمعبد منذ 300 عام حُوِّل في الخمسينات لمجمعات سكنية. في الخمسين عاما الماضية قامت كل عائلة ببناء مطابخ صغيرة لتلحقها بمنازلها، واختفت معظم تلك المباني لاحقا. في المشروع الفائز بالجائزة استغل المعماري الإضافات التي بنتها العائلات في السابق، وتعامل معها على أنها طبقة من التاريخ الذي مرت بها الساحة. وهكذا بُنيت مكتبة الأطفال والمركز الفني بإضافتها تحت سقف أحد المباني القائمة. وتحت شجرة ضخمة تم تحويل أحد المطابخ الصغيرة ليصبح مساحة للفنون مصنوعة من الحجر الرمادي. يعلق دراكشاني: «هذا التدخل المحدود في الساحة يربط بين المجموعات السكنية ويثري الحياة اليومية».
معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، ومن تصميم المعمارية الراحلة زها حديد، أحد الأعمال الفائزة بالجائزة. يشير دراكشاني إلى أن المبنى ألحق بمباني الجامعة التي صممت على النسق المعماري الأميركي في نهاية القرن الثامن عشر وبدايات التاسع عشر، «أعتقد أن زها حديد ومهندسيها قاموا بعمل رائع هنا، لقد نجحوا في الاستفادة من المساحة من دون البناء على الأرض»، فالمبنى والذي يصفه البعض بأنه «يطفو فوق سطح الأرض» استفاد من الأشجار الموجودة لتصبح ضمن النسيج المعماري. «لقد أكملوا أبنية الجامعة بشكل رائع، ولديهم الآن مبنى ينتمي إلى العصر الحالي، فهم خلقوا مساحة مفتوحة من دون استخدام الأرض واحترموا الأشجار الموجودة هناك».
مؤسسة أغا خان، إلى جانب منحها جوائز المعمار، أيضا تعمل على حماية التراث الإسلامي عبر المساعدة في ترميم بعض المباني والمناطق الأثرية في عدد من دول العالم. وهنا تحديدا يجب التساؤل حول أوضاع المباني والمدن التاريخية في العالم العربي، وبخاصة سوريا، التي تتعرض للهدم والتخريب بشكل يومي. يقول: «هذا واحد من أهدافنا، فالجوائز هي جانب واحد فقط من عملنا. قمنا بأعمال ترميم في عدد من المدن الأثرية، وكان لدينا أعمال ترميم في حلب، ولكن كل ما أنجزناه هناك تعرض للهدم. ولكن عندما يعود السلام نستطيع المساعدة، فلدينا كل الرسومات والوثائق، وسنكون أكثر من سعداء للقيام بدور في سوريا عندما تتم إعادة تعميرها». يشير إلى أن أرشيف المؤسسة الموجود في جنيف يحمل تصاميم ورسومات يمكن الاستفادة منها، سواء في سوريا أو صنعاء. وهو ما فعله مهندسون في ترميم جسر موستار بيوغوسلافيا، حيث استخدموا نسخا من الرسومات والتصاميم الموجودة في الأرشيف الضخم للمؤسسة.
ماذا عن المشروعات القائمة الآن؟ يقول إن برنامج المدن التاريخية بالمؤسسة لديه عدد من المشروعات في دلهي وفي بينانغ بماليزيا، «هناك أيضا مشروع مرتبط بالمساجد الطينية في مالي، وفي حي الدرب الأحمر بالقاهرة».
جائزة أغا خان للعمارة، أسسها أغا خان عام 1977، بهدف تحديد وتشجيع الأفكار الرائدة في مجالات العمارة والبناء التي تعالج بنجاح احتياجات وتطلعات المجتمعات، التي يكون للمسلمين وجود مُعتبر فيها. وقد تم منح الجوائز لمشروعات من مختلف أنحاء العالم من فرنسا للصين.