عصام نعمان

ثمة شبه إجماع على أن «داعش» سيُطرد من الموصل. قد يتطلب الأمر وقتاً أو، ربما، يخسر «داعش» الموصل بسرعة قياسية كالتي خسرت فيها حكومة بغداد مدينة «أم الربيعين» في يونيو/‏حزيران 2014، لتصبح بعدها قاعدة «الخليفة» أبو بكر البغدادي.
حسناً، سيخسر«داعش» الموصل، فإلى أين يذهب «الداعشيون»؟
تتعدد التكهنات، ذلك أن أحداً لا يمكنه الجزم بالوجهة، التي سيسير فيها أو إليها «الداعشيون». 
القادة السياسيون والعسكريون في دمشق وموسكو يعتقدون أنهم سيتجهون، بتوجيه من واشنطن، إلى محافظتي الرقة ودير الزور السوريتين، لماذا؟ كي يكثفوا وجود «داعش» فيهما، فيصعب على الجيش السوري وحلفائه اقتلاعهم، الأمر الذي يؤدي إلى إطالة أمد الصراع إلى ما بعد انتهاء انتخابات الرئاسة الأمريكية، واتضاح هوية وسياسة الرئيس أو الرئيسة الجديدة، وقيام إدارة جديدة في واشنطن لقيادة الصراع، وفق أسس ربما تكون مغايرة.
أوساط كبار القادة في واشنطن، كما في «تل أبيب»، لا تنكر هذا الخيار، بل إن بعضها يدعو جهاراً إلى اعتماده. في حال ثبوته، فإن نتائج ثلاثاً ستنجم عنه: استنزاف قوات سوريا وحلفائها، إطالة أمد الصراع لتعزيز المركز التفاوضي لأطراف المعارضة السورية «المعتدلة»، وتمكين «داعش» من ترتيب أموره في سوريا، كما في العراق وبالتالي الاستعانة به في مهام سياسية إقليمية أخرى.
وزير الدفاع التركي فكري إيشيق أعلن في روما، عقب مشاركته في اجتماع وزراء دفاع دول جنوب شرق أوروبا، أن بلاده توصلت إلى اتفاق مع التحالف الدولي، لمشاركة مقاتلاتها في عملية تحرير الموصل. دلالةُ هذا الموقف أن لا مشاركة تركية برية في عملية التحرير. فهل يشكّل ذلك استجابة متفقاً عليها لإعلان حكومة بغداد أن مشاركة «الحشد الشعبي» ستقتصر على تأمين الجانب اللوجستي للقوات العراقية النظامية المشاركة في عملية التحرير، وأن لا دور بري ل«الحشد» في المعركة ؟ ماذا عن «داعش»؟
الحقيقة أن مستقبل «داعش» يتوقف، إلى حدٍّ بعيد، على مستقبل الموصل بعد تحريرها. فالصراع في الموصل وعليها ليس محصوراً بحكومة بغداد وقواتها من جهة و«داعش» من جهة أخرى، بل يشتمل أيضاً على صراع محموم بين «الحشد الشعبي» المدعوم من حكومتي بغداد وطهران من جهة، و«التحالف الوطني» وسائر القوى السنّية في الموصل ومحافظة نينوى بقيادة محافظ الموصل السابق اثيل النجيفي المدعوم من تركيا من جهة أخرى. ثم بجب ألاّ ننسى مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق. فقوات «البيشمركة» تشارك في معركة الموصل، ولكن من خارجها، أي في محيطها وكأن ثمة اتفاقاً جرى على ترك مهمة السيطرة على قلب الموصل للقوات العراقية النظامية وحدها.
باختصار، إذا أمكن التوافق على ترك مهمة السيطرة على داخل الموصل للقوات العراقية النظامية، وإبقاء الحشد الشعبي و«البيشمركة» والقوات التركية خارجها، فإن طرد «داعش» من المدينة سيكون سهلاً والصراع بين الجهات الثلاث المار ذكرها سيكون مستبعداً أو محدود الأضرار. أما إذا أصرّ الأتراك على المشاركة البرية في المعركة والتقدم إلى قلب الموصل، فإن ذلك سيؤدي إلى قيام حكومة بغداد بدعوة «فيلق القدس» الإيراني بقيادة اللواء قاسم سليماني إلى التدخل. هذا يؤدي بدوره إلى تفجير الصراع مجدداً في العراق، وانسحاب آثاره على سوريا.
يبقى السؤال قائماً: إلى أين سيذهب «الدواعش» بعد طردهم من الموصل ؟
يبدو أن أمامهم مسارين:
الأول، التبدد في سائر فيفافي وأنحاء محافظة الأنبار، كما فعلوا بعد اضطرارهم إلى الخروج من مدينتي الرمادي والفلوجة، إذ ذابوا في فيافي الأنبار وبين سكان بلداتها وقراها، وتخفّوا لإعادة تنظيم صفوفهم. 
الثاني، التوجّه بكامل عديدهم وعدتهم إلى قواعد «داعش» في محافظتي الرقة ودير الزور ليقوموا، بدعم جوي وبري من الولايات المتحدة، وربما من تركيا أيضاً، بحرب غوار طويلة الأمد ضد سوريا وجيشها المدعوم من حلفائها. قد تقترن هذه الحرب بتفعيل حرب أخرى مشابهة في محافظتي القنيطرة ودرعا بجنوب سوريا، حيث لِ«داعش» و«النصرة» قواعد وقوات. غني عن البيان أنه في هذه الحالة ستدخل «إسرائيل» مباشرةً أو مداورةً على خط الصراع لدعمهما لأن لها مصلحة في إنهاك سوريا لإضعافها من جهة، ولتعزيز المركز التفاوضي لأطراف المعارضة السورية «المعتدلة» من جهة أخرى. 
ثم، ماذا سيختار «داعش» لنفسه من نهج إقليمي وآخر عالمي؟ هل سيتخلى نهائياً عن نهج التمركز في قواعد أرضية، والعودة إلى نهجه القديم بالتركيز على الأهالي والسكان، والتواري في مجتمعاتهم وبيئتهم ليقوم لاحقاً بعمليات إرهابية مدوّية كالتي نفذها قبل سنة في باريس وبروكسل؟
هكذا يبقى مستقبل «داعش» لغزاً محيراً.