سمير عطا الله

 انتهت حياة الشقاوة أخيرًا عندما قُبل فلاديمير في «الكي. جي. بي» عام 1975. لكنه كان لا يزال يعيش في الشقة الصغيرة مع أبويه، من دون غرفة خاصة به. وفوجئ ابن الثالثة والعشرين، الممتلئ حماسًا، بأن العالم أصبح مسالمًا في كل مكان. وكان مكتبه إلى جانب مجموعة من قدامى الموظفين الموشكين على التقاعد.

انضم بوتين إلى الجهاز يوم كان في إدارة يوري أندروبوف، الرجل الذي يسعى إلى تغيير الصورة القاتمة للمؤسسة، والذي سوف يمهد فيما بعد لـ«البريسترويكا» وميخائيل غورباتشوف. عام 1976 تخرج بوتين من أكاديمية «الكي. جي. بي» برتبة ملازم أول، وعين في فرع الأمن الداخلي، لمراقبة المنشقين.
عام 1977، ذهب والده إلى التقاعد من عمله في مصنع للسكك الحديدية، وأعطته الدولة شقة في ضعف شقته، فأصبح لفلاديمير غرفة خاصة به للمرة الأولى في حياته. ترك الشقاوة لكنه لم يترك المشاغبة. وغالبًا ما كان يدخل في خناقات حادة، وهو أمر ممنوع على عملاء «الكي. جي. بي».
عام 1979 بلغ بوتين رتبة نقيب، ونقل من لينينغراد إلى موسكو. العام التالي، انتخب رونالد ريغان رئيسًا، وعاد التأزم إلى العلاقات الدولية، فيما ساد انطباع في موسكو بأن ريغان يعد خطة لتدمير الاتحاد السوفياتي. سوف ينضم النقيب بوتين إلى الحملة المضادة. وثمة شيء آخر حدث ذلك العام. فلم يكن مألوفًا أن يبقى ضابط في «الكي. جي. بي» دون زواج حتى الثامنة والعشرين، خوفًا من السقوط في علاقة جنسية «معادية».
تذكَّر صديقته طالبة الطب لودميلا كامارينا، فخطبها. لكنه عندما عاد إلى لينينغراد عام 1980 تعرف صدفة إلى شقراء أخرى، هي مضيفة الطيران لودميلا شكربينغا، التي روت فيما بعد أنه لم يلفت انتباهها على الإطلاق. بعد علاقة استمرت ثلاث سنوات عرض عليها الزواج. وبعد عام رقي المتزوج إلى رتبة مقدم، وأرسل إلى دراسة الاستخبارات الخارجية، في الوقت الذي كان الاتحاد السوفياتي يشهد تغييرات درامية سريعة في قياداته العليا.
بسبب معرفته اللغة الألمانية وشغفه بها، أرسل بوتين في أول تعيين خارجي إلى ألمانيا الشرقية. لكن ليس إلى مركز مهم في برلين، بل إلى مركز شبه ثانوي من ثمانية موظفين، في مدينة درسدن على الحدود التشيكية. ليس الأمر مهمًا. سوف يعرف المقدم خلال فترة قصيرة كيف يصل إلى برلين، أكثر مدن العالم يومها اكتظاظًا بالمخابرات، في شرقها وغربها.
في برلين، حيث كان يظهر أحيانًا بثياب مدنية، وأحيانًا ببزة عسكرية، رقي إلى رتبة عقيد عام 1987. في هذه المرحلة بدأ التحول في الاتحاد السوفياتي، لكن بوتين لاحظ أن الزعيم الألماني الشرقي إريك هونيكر يأبى الرضوخ للتغيير. غير أن الموجة كانت أكبر من النظام. ومن هنا، سوف يشهد بوتين زحف الأوروبيين الشرقيين إلى الغرب، وسقوط جدار برلين، وسوف يعود إلى «روسيا الاتحادية» ليبدأ مسيرة القيصر الجديد.