سعيد الحمد

قبل حكم المحكمة حكمت الوفاق على نفسها بالخروج من المشهد السياسي العام، وهذه نتيجة التطرف السياسي وغلواء الغرور في إدارة اللحظة، ووقع فيها قبل الوفاق وسيقع بعدها من لا يقرأ حسابات ومعادلات واقع لحظته وتداعياتها.
والتطرف ليس خاصاً بإيديلوجية بعينها أو حزب أو تيار وان اختلف كمّ التطرف هنا أو هناك، فالكيف في التطرف واحد، احزاب قومية «مدنية» تطرفت فانتهت وكذلك حدث لاحزاب يسارية «أممية».
والغرور ليس ظاهرة تصيب الأفراد فقط، ولكنها تغدو كارثية عندما تعتري نظاماً او حزباً او تياراً أو زعيما مؤلهاً كما هم زعماء كثيرون الآن، اغتروا بمظاهر التبجيل والتأليه والقداسة فأفرطوا وفرطوا في مكاسب كان يمكن لجماهيرهم ان تستثمرها على كل صعيد، ولكنها خسرت حين أغواها الزعيم.
والزعامة قصة أخرى تطول فصولها بطول تاريخنا العربي والاسلامي بعمومه، حسن الصّباح «زعيم الحشاشين» الاشهر قدّسوه وغدا إلهاً على الأرض، وكما شهدت قلعة «آلموت» سيادته شهدت نهايته او نهاية غلواء غروره.
التاريخ ليس حكايات للتسلية وقضاء الوقت، ولكنه حكم وعبر ودروس لمن يفهم منا، فهل نفهم.
سؤال اطرحه على نفسي وقد اكلت السياسة عمري كلما رأيت نهاية كنهاية الوفاق يوم انزلقت الى هذا المصير منذ ستٍ خلت، حين وقف زعيمها «لاحظ حكاية الزعيم تعود هنا» يتحدى ويرفض ويستعلي مأخوذاً بغرور لحظة طارئة زائلة.
وحين رفض باستعلاءٍ مغرور كل حل او مبادرة او حتى فكرة كان يذهب بجمعيته الى نهايتها المحتومة.
ففي السياسة وفي درسها الأول لا توجد عبارة «اما هذا.. أو لا» فاللاء هنا نهاية وهكذا كان.
والنهايات في السياسة اختيار وقرار وليست قدراً أسطورياً من تراجيديات ونهايات الاغريق القديمة.
رهانات الغرور هي بالضبط رهانات الطاولة الخضراء «مقامرة» محتومة ومختومة سلفاً بالخسارة، وكم انتحر مقامرون بعد الخسارة وكم نحر وانتحر سياسيون واحزاب وتيارات وزعماء غرهم غرور لحظتهم الطارئة.
عندما كنا نقول ونردد «السياسة فن الممكن» كانوا يسخرون منا ويضحكون باستعلاءٍ أرعن.
وفاقيون ويساريون وشيرازيون مختبئون تحت تقية جديدة كانوا يستصغرون «السياسة فن الممكن» وينظرون لنا باستكبار ومن وراء أنوفهم المغرورة بلحظتهم.
واخلاء مقار الوفاق الثلاثة ليس اجراءً تنفيذياً لحكم «رسمي» ولكنه في ابعاده وظلاله اجراء تنفيذي لحكم أصدرته الوفاق على نفسها يوم ركبت موج الغرور وظنت وبعض الظن اثم أنها «خلاص» كما يقول تعبيرنا الشعبي اليومي السائد.
و«خلاص» هذه الكلمة قالها «زعيم» يساري صغير انتفش في الدوار فهمس بها في الطائرة المغادرة الى دبي قبل ست سنوات الى أحد خلصائه.
هكذا قرؤوا «لحظتهم» الطارئة والمؤقتة وقالوها جميعاً «خلاص» فكانت بداية النهاية لغرور قادهم الى ما قادهم إليه، ولم يتعلموا درس التاريخ.
وحتى وإن قرؤوا بعض سطور من التاريخ مشكلتهم أنهم يفهمونها كما يريدون وكما شاء هواهم ومزاجهم السياسي وتوجههم وايديولوجيتهم لا كما هي في التاريخ.
وأخيراً فالسياسي الذي يعرف بالضبط متى يطوي ملفاته وينسحب تاركاً المجال والمساحات لغيره ولجيل جديد آخر يأتي بفكر جديد ورؤى جديدة هو السياسي الذي أصبح هنا مثل «بيض الصعو».
وحتى «بيض الصعو» وجدناه لكننا لم نجد مثل هذا السياسي في الجمعيات إياها.