حسن أبو هنية

هدفت مشاركة جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في 20 أيلول الماضي إلى تحقيق أهداف محددة ومحدودة تتمثل بتجاوز أزمتها الموضوعية والذاتية حيث بلغت أزمتها الموضوعية مع الحكومة مستويات غير مسبوقة وانعدمت مساحات الثقة الأمر الذي تطلب مشاركة بشعارات وطنية خالصة تعمل على إعادة شرعنة وجود الجماعة التي تعرضت للحظر القانوني والتشكيك بمشروعها الديني والسياسي وعلى الصعيد الذاتي هدفت الجماعة إلى ترميم حالة التصدع والانشقاق التي أصابت مكوناتها التنظيمية وعصفت بوحدتها الإيديولوجية والهيكلية التاريخية.

أزمة الجماعة في الأردن عميقة وبنيوية ومزدوجة وهي غير مسبوقة على الصعيدين الداخلي المتعلق بإدارة التكيّف الإيديولوجي والتنظيمي والخارجي المتعلق بتدبير العلاقة مع النظام السياسي وهي أزمة لا تنفصل عن أزمة الجماعة الأم في مصر وفروعها الممتدة إقليميا وعالميا وذلك بعد أن فقدت الجماعة مكتسباتها التاريخية وباتت محاصرة وملاحقة محليا وإقليميا ودوليا حيث لم تقتصر عمليات الاستبعاد للجماعة على الجوانب السياسية المادية فحسب بل طالت المجالات الرمزية من خلال آليات نزع الشرعية السياسية عن الجماعة باعتبارها حركة «إرهابية».

على الرغم من عمق الأزمة الذاتية الداخلية للإخوان إلا أنها دخلت في حالة من الإنكار وتعاملت مع المسألة باعتبارها انعكاسا لأزمتها الخارجية وتعاطت مع الانشقاقات التي حدثت داخل الجماعة من جماعة زمزم والجمعية باستخفاف شديد باعتبارها عرضا زائلا لا يعدو عن كونه هوى يقع في حب السلطة وينشد الخلاص ولا يرتكز على أسباب موضوعية عميقة تبلورت عبر رؤى وتوجهات فكرية وسياسية تتجاوز الأطروحات التاريخية للجماعة.

هكذا فإن مشاركة الإخوان في الانتخابات لم تحدث فرقا للخروج من أزمة الجماعة فالمقاربة الأردنية واضحة منذ البداية في التعامل مع الجماعة على أساس نظرية «اشتمال الاعتدال والدمج» عبر سلسلة من الإجراءات السياسية والقانونية تدفع تيارات الجماعة لخلق حالة من الفرز والاستقطاب الداخلي تفضي في النهاية إلى دفع تيار «الحمائم» إلى مزيد من الاعتدال والتماهي مع السياسات الوطنية وعزل تيار «الصقور» ورؤاه المتشددة الفوق وطنية وقد أفضت هذه السياسات إلى مزيد من الجدل والنقاش داخل الجماعة أفضى إلى ولادة جماعة «زمزم»، ثم دفعت باتجاه ترخيص جمعية «الإخوان» بينما بقي تيار»الحكماء» يحاول تقديم مبادرات تتموضع بين الجماعة والحكومة لكن الجماعة التاريخية لم تكن تتعامل مع التفاعلات الداخلية والإجراءات الحكومية بجدية وراهنت على الصمود دون تقديم مبادرات جدية للخروج من الأزمة.

مسارات الأزمة الذاتية الداخلية للإخوان وصلت نهاياتها المتوقعة بمزيد من الانشقاق والخلاف فالتصلب الإيديولوجي والجمود التنظيمي هيمن على إدارة العلاقة بين أجنحة الجماعة المختلفة حيث حسمت بعض قيادات «الحكماء» صاحبة مبادرة «الشراكة والانقاذ» أمرها بتأسيس حزب سياسي جديد وقدم المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين سالم الفلاحات إخطارا أوليا إلى مديرية شؤون الأحزاب في وزارة الشؤن السياسية والبرلمانية لتأسيس حزب سياسي مع 28 آخرين من الأعضاء على أساس «برامجي مدني غير أيدولوجي»بعد أن قدّموا استقالاتهم من حزب جبهة العمل الإسلامي في وقت سابق.

ظاهرة الانشقاق هي نتيجة طبيعية لأزمة الجماعة العميقة التي تتمثل بالتصلب الإيديولوجي والجمود التنظيمي وفقدان القدرة على الاجتهاد والتجديد ومواكبة التطورات وتبدو تصريحات زعيم الحزب الجديد سالم الفلاحات واضحة في هذا السياق حيث يؤكد على أن الحزب الجديد لن يستهدف جمهور حزب «جبهة العمل الإسلامي» وجماعة الإخوان المسلمين بل يسعى للخروج من أطروحات الإسلام السياسي إلى ما بعده حيث خطاب المواطنة والدولة المدنية والخطط والبرامج والمستقبل، لكن الحزب الذي كان من المفترض أن يمثّل « تيار الحكماء « والقيادات التاريخية لجماعة الإخوان شهد تفككا قبل أن يولد عندما استنكفت شخصيات وازنة عن خوض التجربة أمثال عبد اللطيف عربيات وحمزة منصور وجميل أبو بكر الأمر الذي يؤكد على عمق أزمات الجماعة وعدم القدرة على خلق كيانات بديلة فاعلة كما حدث في الحالة المغربية والتونسية.

على الرغم من إدراك قطاعات وفئات وأفراد داخل جماعة الإخوان المسلمين لعمق الأزمة التي تواجه الجماعة إلا أنها عجزت عن خلق بدائل موضوعية قابلة للحياة والتطور والاستمرار وتشير التجارب السابقة إلى صعوبة ولادة تيار قادر على بناء هوية إيديولوجية جديدة تتجاوز أطروحاتها التقليدية حيث تصبح التجارب الجديدة علامات على خط الانشقاقات والانقسامات وليس ولادة جديدة بأفق مغاير فمشاركة الجماعة من خلال ذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي وتشكيل ائتلاف التحالف الوطني للإصلاح لن يؤدي لإعادة إدماج الجماعة سياسيا وإعادة ترميم العلاقة مع الحكومة.

خلاصة القول أن أزمة الجماعة سوف تتفاقم مع مرور الوقت لتطال الذراع السياسي للجماعة حزب جبهة العمل الإسلامي وستظهر الانقسامات على أسس هوياتية وإيديولوجية تارة وسياسية برامجية تارة أخرى إذ تشهد الحالة الإخوانية الإردنية مزيجا مركبا من التصلب الإيديولوجي والجمود التنظيمي ولا يبدو أن الجماعة تعي تطورات المرحلة التاريخية وعمق الأزمات البنيوية حيث تصبح الجماعة مهددة بتطور الخلافات إلى وضعية الانشقاقات وتبدو عاجزة عن خلق حالة من التوافق الداخلي والتوصل إلى مشروع سياسي يتجاوز مقولات الإسلام السياسي.