محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

وافق سعد الحريري وبالتالي كتلة المستقبل في البرلمان اللبناني على أن يكون مرشح حزب الله و عميل الإيرانيين "ميشيل عون" رئيسا للجمهورية، وقد أحدث قراره هذا شرخا كبيرا وعميقا في كتلة أهل السنة في لبنان بين معارض وموافق، كما أن قرارا كهذا يعني عمليا أنه (بصم) على أن سيادة واستقلال لبنان واللبنانيين أصبحت منتهكة، وانتقل القرار السيادي من بيروت إلى طهران، محققا ضمنيا للعدو الفارسي التوسعي ما خطط وسعى من أجله، وهو أن يصبح الوطن اللبناني كويكبا صغيرا وحقيرا يدور في الفلك الإيراني.

يقول المبررون إنه كان مضطرا، وإنه كان أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يوافق على عون رئيسا، أو أن لبنان سيدخل في أتون حرب أهلية ستجعله قطعا يصبح حلب ثانية؛ وهذا في تقديري من قبيل الإرجاف الذي لا يتكئ على دلائل؛ فاستقرار لبنان بانحيازه إلى الفرس، وقبوله بمرشحهم رئيسا، أخطر وبمراحل من مرحلة الفراغ الذي يعيشه الآن؛ فالإيرانيون من خلال حزب الله، سيُطبقون على قرارات قصر بعبدا، ولن يترك الإيرانيون عون يتصرف بناء على مقتضيات المصلحة اللبنانية قطعا وليس احتمالا، ومعروف أن عملائهم في لبنان (حزب الله) في أيديهم القوة العسكرية، في حين أن بقية الفرقاء يفتقدونها، ومن في يده القوة لديه في نهاية الأمر القرار السياسي.

الأمر الآخر أن (حزب الله) حسب التصنيف العربي، وكذلك الأمريكي، منظمة إرهابية، فكيف يمكن لرئيس دولة أن يتحالف مع الإرهاب، ويريد أن يحل مشاكله الأمنية والاقتصادية؟

بعض الحالمين يذهب إلى أن قرار الحريري كان هدفه إحراج (حزب الله)، فالإيرانيون – كما يقول هؤلاء - متورطون في المستنقع السوري، وهم من خلال حزب الله من يسعون إلى إبقاء قصر بعبدا فارغا، حتى يتضح الخيط الابيض من الخيط الاسود في الحرب الأهلية السورية. وأنا أستبعد مطلقا مثل هذا الرأي. فالعدو الفارسي عندما يحتل يحكم من خلال آخرين، يجعلهم مثل (الدُمى) في مسرح العرائس، فالذي يقبل أن يكون دمية في أيديهم، يتحكمون في قراراته ويوجهونها كما تتطلب مقتضيات مصالحهم، فعملائه في العراق - مثلا- يمارسون بوضوح الأسلوب نفسه، فرئيس الوزراء "حيدر العبادي"، لا يبرم قرارا، ولا يتخذ موقفا إلا أن يمر بالشاهنشاه الكهنوتي في إيران، فيقبلونه أو يرفضونه. وعون، ومعه سعد الحريري في حالة رأس الحكومة، سيصبحان قطعا في بيروت مثلما هو "حيدر العبادي" في بغداد.

الأمور طبعا حتى الآن لم تحسم بعد، فالجلسة المرتقبة موعد انتخاب رئيس للجمهورية سيكون في 31 من هذا الشهر، وحتى ذلك التاريخ ربما تتغير المواقف، لا سيما وأن جماهير أهل السنة في لبنان في أغلبيتهم يناوؤون هذا التوجه غير الحصيف والذي جعلهم في حالة تشظي غير مسبوقة، خاصة أهل طرابلس الذين كما هو معروف يرفضون بقوة أن يكون مرشح ملالي الفرس هو مرشحهم لرئاسة الجمهورية، غير أن قرار سعد الأخير، حتى لو لم يحصل ميشيل عون على النصف زائد واحد من أعضاء البرلمان اللبناني، يُعتبر مجازفة بكل ميراث والده السياسي، مثلما جازف بميراث والده التجاري، المتمثل في (شركة سعودي أوجيه) التي هي الآن جنازة تُهيئ للدفن.

إلى اللقاء