عبد المالك خلف التميمي 

لقد اندلعت ثورات الربيع العربي في فترة زمنية واحدة في خمسة أقطار عربية، بالأسباب والأهداف والشعارات نفسها، كما استغلت الحروب الأهلية، وتدخل الخارج في أكثر من دولة عربية واكبت تلك الثورات! وقد قلنا في مقال سابق تصورنا لسيناريو ما بعد الحرب السورية، فماذا بشأن اليمن بعد الحرب الدائرة فيه اليوم؟ وكما أنه لم يتصور أحد أن تستمر الأقلية العلوية طائفياً وعنصرياً في حكم سورية، وهي أقلية لا تشكل أكثر من 20% من سكانها فإنه لا يمكن تصور أن يحكم اليمن من الحوثيين طائفياً وعنصرياً وهم أقلية لا تشكل أكثر من 20% من سكانها، ومن حق الأقليات المشاركة في إدارة بلادها لأنها ضمن مكونات تلك المجتمعات ديمقراطياً، ولكن ليس من حقها أن تنفرد بالحكم في عصر التعددية والديمقراطية.

تشتعل في اليمن حرب داخلية بتدخل إقليمي سعودي خليجي وإيراني، والحرب، في بلد فقير وعدد سكانه كبير، مدمرة، وستضع أوزارها بعد الدمار، وإن ندم المتحاربون أو لم يندموا فإن اليمن سيبقى إلى فترة ليست قصيرة يضمد جراحه ويعاني مشكلات أساسية تحمّل دول مجلس التعاون الخليجي مسؤولية إضافية، إلى جانب دور المغتربين اليمنيين في مرحلة ما بعد الحرب.

وسيواجه اليمن الصراع الإثني السياسي بعد الحرب القائمة وغير المبررة بتمرد الحوثيين على الدولة، وسيكون هناك مسألتان اقتصادية وسياسية: اقتصادية لبلد مزقته الحرب ويعيش أزمة لا بد من انتشاله منها، وبكل تأكيد الاقتصاد اليمني وحده لا يقدر عليها، وسياسية تتعلق بطبيعة العلاقة بين قواه السياسية، وبطبيعة العلاقة مع محيط اليمن الإقليمي، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، ويمكن القول إن دولاً كاليمن وسورية قد تعود إلى البدايات ولا يمكن حل مشكلاتها إلا بوجود سلام اجتماعي بين مكومات شعوبها، وفي زمن الإثنية الطائفية والعنصرية الذي نعيشه يعد ذلك أمراً صعباً.

وقد يقول البعض إن التفكير بمرحلة ما بعد الحرب في سورية واليمن سابق لأوانه، والبلدان في حالة حرب مدمرة! هذه مشكلتنا لا نفكر في المستقبل بل بما هو قائم اليوم، ولو تم التفكير قبل تلك الحروب بإمكانية قيامها وكيفية تجنبها لربما لم تقع ولتمت معالجتها سلمياً وسياسياً، لكن أزمتنا ضعف تفكيرنا الاستراتيجي. نقول في هذا الصدد إن هذه الحروب ستنتهي لكن آثارها ستبقى فترة طويلة، أو هذا شأن الحروب في التاريخ، فعلينا إذاً أن نفكر في مرحلة ما بعد الحرب.

إن الأوضاع القائمة في اليمن هذا البلد الذي يقع في جنوب الجزيرة العربية وعدد سكانه 24 مليوناً، يشكو من مشكلات بنيوية أساسية لن تحل إلا بعمل جماعي على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي بعد أن تضع الحرب الدائرة فيه أوزارها، فلدى هذا البلد مشكلة في شح المياه العذبة، وموارده الاقتصادية ضعيفة، فلا بد من تشغيل العمالة اليمنية في دول مجلس التعاون، وتفعيل الموانئ اليمنية وتنشيطها، ويكون للمغتربين اليمنيين أصحاب رؤوس الأموال والمتعلمين والمثقفين دور في إعادة بناء اليمن، ولا بد من التفكير جدياً في دخول اليمن عضواً في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حتى لو تطورت صيغة مجلس التعاون إلى اتحاد، إذ إن التفكير الاستراتيجي يلح علينا بخلق كيان كبير وقوى للتوازن الإقليمي وللأمن والسلام في المنطقة.

الضياع الذي نعيشه يتمثل بانشغالنا في مشكلات هامشية وقضايا خارجية بعيدة في الوقت الذي تتطلب أوضاعنا التفكير والعمل في قضاياه البنيوية الأساسية، وإن التفكير المسبق في المشاكل يجنبنا الوقوع فيها أولاً ويكون لدينا متسع من الوقت للتفكير في علاجها إن وقعت، وعلى الذين يئسوا وأصحاب العدمية بألا فائدة أن يعيدوا النظر في ثقافتهم اليائسة، ويدخلوا الميدان حتى بأضعف الإيمان للمساعدة في إنقاذ شعوبنا وأجيالنا في الحاضر والمستقبل. وأي تفكير مستقبلي للمنطقة يتطلب أن يأخذ في الاعتبار قضية الإصلاح السياسي كمقوم لأي فكرة لتطوير التعاون بين دول المنطقة في مرحلة ما بعد الحرب اليمنية.