رندة تقي الدين 

تترقب الأوساط المسؤولة في باريس مسألة تشكيل الحكومة اللبنانية بعد انتخاب زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. وترى أنه إذا تمكن زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري من تشكيلها من وزراء لديهم القدرة على إدارة البلد ستبذل فرنسا جهوداً لتعبئة أصدقاء لبنان حينها، فليس هناك معنى في نظر باريس لأن يعقد اجتماع لدعم لبنان قبل انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة.

ورأت الأوساط أن اتصالات باريس مع الأطراف اللبنانيين لم تؤد إلى تكوين فكرة حول تفاصيل ما تم الاتفاق عليه بين الحريري وعون في شأن الحكومة، فالحريري نقل إلى الجانب الفرنسي أنه حصل على تعهدات عامة من عون حول الحكومة والنأي بالنفس عن أزمة سورية، لكن باريس لم تحصل من عون أو من رئيس «التيار الحر» جبران باسيل على أكثر من عموميات بأن الحكومة سيتم تشكيلها. أما رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع فلم يثر موضوع تشكيل الحكومة، ما يشير إلى أنه سيكون معقداً. وثمة أسئلة لدى باريس حول ما إذا كان الحريري سيتمكن من تشكيل حكومة، وهل سيكون هناك قانون انتخاب جديد ومجلس نيابي جديد.

وتــرى باريس أن إيران وجدت مصلحة في أن يتم انتخاب عون رئيساً، لكن هل سترى مصلحة في أن تشكل حكومة تعمل في لبنـــان؟ ونقلت الأوساط عن الحريري قوله للجانب الفرنسي إنه لم يكن لديه حل آخر وإن الجميع رأى اقتراب موعد الانتخابات وكان الاحتمال ألا تكون هناك حكومة ولا رئيس وأن خطورة ذلك أدت إلى هذه التسوية. وقراءة باريس أن الحريري بحاجة إلى تعزيز قيادته على الصعيد السني لذا ينبغي أن يعود إلى ممارسة الحكم.

أما جعجع، وفق التحليل الفرنسي، فيرى أن صهر عون جبران باسيل لن يتمكن من أن يرث قيادة المسيحيين، وأنه سيكون هو الوريث، في حين أن الوزير سليمان فرنجية ما زال شاباً في الخمسين من عمره ويرى أن الدولاب سيبقى يدور حتى يصل دوره إلى الرئاسة. وتعتبر الأوساط الفرنسية إياها أن رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط بحاجة إلى حماية مجموعته البرلمانية وأبناء طائفته والمصالحة المسيحية الدرزية.

أما «حزب الله» فهو الكاسب في كل الأحوال لأن في غياب رئيس تستمر الفوضى ومعها تستمر ممارسة نفوذه، ومع وجود الرئيس يمكنه التعطيل الحكومي وهو دائما يكسب. ولكن باريس ترى أن المزيد من الفراغ المؤسساتي هو لمصلحة «حزب الله»، مقارنة بالحد الأدنى من عودة العمل المؤسساتي. ومن هذا المنطلق تعتبر الأوساط المتابعة للملف اللبناني في فرنسا أنه إذا كانت هناك ديناميكية تنشأ من انتخاب رئيس تؤدي إلى تشكيل حكومة مع مجلس نيابي جديد فإن بإمكان لبنان أن يستعيد عافيته ويبدأ الخروج من الأزمة. وترى باريس أن موضوع لبنان أصبح الآن في إطار العلاقة بين «حزب الله» وإيران أكثر مما هو في العلاقة بين «حزب الله» وسورية. وما يقوله الجانب الإيراني لباريس بعد التسوية حول رئاسة عون، أن على السعودية أن تساعد الرئيس المنتخب في لبنان.

أما عن الموقف السعودي فنقلت الأوساط الفرنسية عن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قوله لنظيره الفرنسي جان مارك إرولت أنه إذا كان اللبنانيون يريدون انتخاب عون فلينتخبوه من دون أي تعليق آخر حول الموضوع. وما يقوله الجانب الفرنسي للجانب السعودي أن باريس تتفهم وتشارك مخاوف السعودية من هيمنة «حزب الله» وإيرن في لبنان، وأن باريس كما السعودية غير راغبة في هيمنة إيران و«حزب الله» وسورية على لبنان، لكن تنبغي مساعدة لبنان وأيضا السنة فيه، لأن لبنان والطائفة السنية بحاجة إلى الشعور بأنهم مدعومون. فالانسحاب من مساعدة لبنان هو تسريع وتسهيل لتنفيذ إيران وسورية و «حزب الله» طموحاتهم في البلد. ولكن الأوساط الفرنسية ترى أنه في الوقت الحالي هناك أولويات أخرى للسعودية، وتشير إلى أن باريس تتحاور مع الولايات المتحدة حول وضع لبنان والرئاسة، ولدى الدولتين التحليل نفسه.

وتنقل باريس عن حاكم المصرف المركزي اللبناني رياض سلامة ضرورة أن تكون هناك حكومة تعمل في لبنان، لأنه بلغ الحد الأقصى من جهوده لتجنيب لبنان الأسوأ. وترى أن الهندسة التي نجح في القيام بها لا يمكنه أن يكررها ثانية.