خالد أحمد الطراح

كثر الجدل في الآونة الاخيرة عن زيادة اسعار البنزين بين التحليل الاقتصادي العلمي والتحليل السياسي الذي اتسم بعضه بالموضوعية، فيما اخذ البعض الآخر منهجا في التعميم في التقصير من جانب الحكومات ومجالس الامة المتعاقبة وتحميل المواطن «المستهلك»، المرفه اساسا، ما لا يحتمل.
ثقافة الاستهلاك لم يكن للمواطن يد فيها، فقد تولد هذا السلوك منذ عشرات السنوات، فمنهج الدولة اعتمد اساسا على فلسفة خاطئة تعتمد على اعتقاد ان المواطن يزداد ولاء مقابل ما يقدم له من خدمات مجانية، جعلته اليوم محاصرا بين محيط ثقافة زرعتها الحكومات المتعاقبة وليس «جميع السياسيين ومجالس الامة»، ومحيط آخر يتسم بتحديات اقتصادية من الصعب استيعابها لسبب بسيط، ان المواطن لم يكن شريكا يوما في الوضع الاقتصادي بشكل عام، فقد تعود، بسبب الدلع الرسمي، على شعار «اصرف ما في الجيب يأتك ما في الغيب»!
لغة الاقتصاد ليست لغة سهلة ولا هي بسيطة الفهم، لكن رفع المعنويات هو جزء من حملة التوعية التي يفترض ان تقودها الحكومة، وللمواطن الحق في معرفة ماذا فعلت الادارة الحكومية بالفوائض المالية نتيجة ارتفاع اسعار النفط، وتحديدا اين ذهبت الفوائض؟ وليس مناسبا التساؤل عن «التدمير النفسي والاجتماعي»، فقد كان معاصرا من كتب التدمير النفسي وعبر عنه بعنف وثورية حين كان الشارع ملتهبا ومتقبلا لأيام الفزعات الثورية، لكن اليوم من ثار في السابق ابتعد عن محيطه وانطوى على نفسه دون المساهمة في حملة «رفع المعنويات».
رفع المعنويات مسؤولية قادة الرأي والكتاب، خصوصا في ظل الفشل الذريع لوزارة المالية، قبل حل مجلس الامة، في خطط الاصلاح وكسب فهم وتفهم المواطن، فحتى في ظل تداعيات قرار رفع اسعار البنزين، لم توفق الحكومة في اقتراحها في منح 75 ليترا شهريا مجانا للمواطن، وهو ما يعني خصم ما يبلغ حوالي 40 مليون دينار من اجمالي ما يفترض توفيره على ميزانية الدولة، الذي يبلغ حوالي 140 مليون دينار نتيجة رفع الاسعار، علاوة على الرد غير الحصيف لوزير المالية بخصوص استغلال فرصة استجوابه السياسي لشرح ما يسمى بوثيقة الاصلاح الفارغة اساسا من محاور مترابطة، وهو برهان على الاخفاق في محاكاة الرأي العام واشراك المواطن.
قرار رفع الاسعار والتراجع النسبي عنه بدا واضح الابعاد في إلهاء الشارع من خلال افتعال الفوضى والتأزيم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من دون التخطيط حتى لفوضى خلاقة على الاقل!
الكويت تمر في مرحلة اقتصادية وسياسية حرجة للغاية وخطرة ايضا، تستوجب الوقوف ضد كل ما يجري من انحراف، واذا كان هناك من تدمر نفسيا فلا ينبغي ان يصدر هذه المشاعر للغير، خصوصا شريحة المستقبل الواعد، وهي الشباب، الذي من الممكن ان يدفع ثمنا مضاعفا سياسيا واقتصاديا بسبب تحول الساحة الديموقراطية الى حقل تجارب ودفاع مستميت عن وزير!