ميشال عون ليس حلاً.. ليس مشكلة

نديم قطيش

من سخريات الأقدار أن يحقق الجنرال ميشال عون حلمه الرئاسي في لحظة باتت فيها الرئاسة تبدو بلا أي وزن يذكر. ليس لأن اتفاق الطائف أجرى تعديلات عميقة على صلاحيات رئيس الجمهورية، وأنا رأيي أن للرئيس مكانة في النظام السياسي اللبناني تفوق بكثير الأخطاء الشائعة عنها وعن تقلص مساحتها أو ضعفها.

انعدام الوزن الرئاسي متأٍت عن انعدام وزن البلاد برمتها، أقله حتى تستعيد الحياة السياسية والوطنية نصابها الطبيعي خارج هيمنة سلاح ميليشيا حزب الله على كل التفاصيل الأساسية. رئاسة الجنرال ميشال عون، وأكاد أقول أي رئاسة في ظل التوازن الحربي الحالي، باتت من السخف (وأنا لا أقصد هنا التجريح الشخصي بالجنرال)، إذ إنها ما عادت تؤدي غرضها لا للمشروع العوني، أكان إصلاًحا أم تغييًرا مزعومين، ولا لحليفه حزب الله الذي يقوم بما يقوم به مع عون أو من دونه.

كما أنها رئاسة لا تشكل الخطر السابق الذي كانت تشكله في فترة ما، حين كان هاجس قوى 14 آذار (رحمها الله) عدم تسليم البلد من موقعه الرسمي لجهة تعادي العرب، أو تتحالف مع من يعاديهم. الحقيقة سقط هذا الهاجس بانتقال الخليج، لخانة شبه المواجهة مع لبنان، عموم لبنان، نتيجة مواقف حزب الله، وبصرف النظر عن هوية الرئيس، أو عن وجود أو غياب رئيس. مع أو من دون رئيس جمدت الهبات العسكرية. مع ومن دون رئيس جردت حملة إعلامية ضد لبنان واللبنانيين. مع ومن دون رئيس قدُيبحث في أي وقت تخفيض التمثيل الدبلوماسي السعودي والخليجي نتيجة خطابات حسن نصر الله التي تأتي ترجمة لقرار طهران بالتصعيد في مواجهة الرياض.

العالم يتعامل مع لبنان باعتبار أن حسن نصر اللهرئيسه، أًيا تكن هوية الرئيس الدستوري وانتماؤه السياسي. هذا معطى جديد في العلاقة مع البلد وقواه السياسية، وهذه أزمة تفاقمت مع انتهاء المشروع السياسي للحركة السيادية، بحيث لم تعد لا حركة سيادية ولا حتى كتلة انتخابية موحدة مكونة من 57 صوًتا في البرلمان!!

رئاسة عون، لا هي رئاسة سيصنع حزب الله من خلالها المعجزات خدمة لمشروعه الدموي المذهبي في المنطقة، ولا هي رئاسة ستعود بالويل والثبور على لبنان، أكثر مما هو حاصل الآن، بالنسبة لتردي علاقات لبنان العربية وأبعد!

لا يقال هذا الكلام في معرض تبرير انتخاب عون أو التخفيف من حدة وقعه على جمهور طويل عريض احترف الجنرال الإساءة إليه يومًيا والتجرؤ على رموزه، وصولاً إلى مطاردة رفيق الحريري إلى ضريحه.

صحيح أن هذا إرث سيدخل في ذاكرة أسوأ ما قيل في السياسة اللبنانية، لكن سبق وتجاوز اللبنانيون بحق بعضهم بعًضا أنهاًرا من الدماء، ولن يصعب عليهم تجاوز تركة من الشتائم!

ميشال عون ليس هو المشكلة التي تبقى في مشروع حزب الله، المسلح والمنخرط عميًقا في كل الحروب الأهلية والمذهبية في المنطقة، وهو مجدًدا مشروع قائم ومستمر بصرف النظر عمن يحكم هذا البلد الصغير. الأزمة لم تتغير، وانتخاب عون هو مجرد افتتاح فصل جديد من فصولها.

كان نصر الله صريًحا في خطاباته الأخيرة، حين توقع أن تكون الفترة المقبلة فترة تصعيد، ومواجهة في «كل الساحات» بحسب تعبيره، وهذا يعني أن لبنان سيبقى أسيًرا لأجندة حزب اللهوتبعات انخراطه في حرائق الإقليم.

الأخطر من ذلك أن إيران نفسها تمر بلحظة انتقالية دقيقة جًدا، إْن على مستوى تهيئة التوازنات لمرحلة ما بعد خامنئي، وإْن لجهة الصراعات العميقة داخل النظام حول إيران ما بعد النووي. وهذه صراعات ليس حزب الله بمنأى عنها، وهو المكون الطبيعي من ضمن منظومة الحرس الثوري التي تواجه ضغًطا من الإصلاحيين من جهة، ومن مؤسسة ولاية الفقيه التي تخشى انقلاًبا عليها بقيادة الحرس!

لبنان سيكون واحدة من الساحات التي ستنعكس فيها استعراضات القوة الإيرانية، أو واحدة من نقاط الانطلاق نحو مغامرات تدخل في لعبة تعديل موازين القوة داخل إيران، على الرغم من التبعات الخطيرة لمثل هذه الاحتمالات، إلا أنها احتمالات قائمة!

إلى ذلك سيزيد الخطر على لبنان، حين يقرر حزب الله العودة من سوريا التي وضع نصر الله لها شرًطا وهو الانتصار! يعرف حزب الله أن دون هذا الشرط أهوال كبرى، لا سيما مع استتباب اليد العليا في الوضع السوري لموسكو، وأن الانتصار والهزيمة في هذه المغامرة المكلفة هو قرار روسي لم يعد حزب اللهفيه سوى أداة!

كيف سيصرف حزب اللهفائض التعبئة في سوريا، وأين سيذهب بكل الرهانات الاستراتيجية التي صم آذان جمهوره بها بعد أن قاتل وقاتل وقاتل، لتبني موسكو أكبر قواعدها في المشرق؟

هذه أسئلة كبيرة سيدفع لبنان ثمن الإجابات عنها أًيا يكن الرئيس الجالس في بعبدا.