شملان يوسف العيسى 

تستعد الكويت لإجراء انتخابات جديدة في 26 نوفمبر القادم بعد حل مجلس الأمة والدعوة لانتخابات جديدة. الممارسة الديمقراطية في الكويت، والتي مضى عليها نصف قرن، نموذج جيد لدراسة أسباب العجز الديمقراطي من منظور الثقافة السياسية في العالم العربي. العجز الديمقراطي العربي يعود إلى طبيعة الذهنيات والمسالك التقليدية التي تسود المجتمعات العربية. ففي التجربة الكويتية هناك سيطرة للأعراف والتقاليد، رغم مرور 50 عاماً من التجربة. والديمقراطية كما درَسناها وندرِّسها لطلابنا، تعني أشياء كثيرة منها تعزيز وحدة المجتمع وانصهاره لتعزيز الوحدة الوطنية واختيار الأفضل من المرشحين لتمثيل الشعب في البرلمان. فرغم دعوات أمير البلاد المتكررة للناخبين الكويتيين لاختيار الأفضل لتمثيلهم، ورغم وجود حركات سياسية متعددة المشارب من قومية إلى إسلامية وليبرالية ووطنية.. فإن الممارسة الديمقراطية في اختيار المرشحين لا يزال يطغى عليها الطابع القبلي والطائفي والعائلي. والدليل على ذلك عودة الانتخابات الفرعية للقبائل، حيث يختار أبناء كل قبيلة من يمثلهم في مجلس الأمة، بعيداً عن إشراك بقية شرائح المجتمع. فالقبائل تدعم مرشحها للمجلس لتمثيل مصالح القبيلة على حساب الوطن وشرائح المجتمع الأخرى.

ونظرياً، يتوقع المراقب السياسي من القوى السياسية والمجتمعية في الكويت الانخراط الإيجابي في إنجاح الاستحقاق الديمقراطي، بغض النظر عن هوية المرشح الأيديولوجية، إسلامي أم قومي أم يساري أم ليبرالي.. فالدفاع عن الديمقراطية والحرية الفكرية والدينية مبادئ أساسية موجودة في الدستور الكويتي، لكن المرشحين يختلفون حولها حسب منظورهم السياسي.

أحد الأسباب الرئيسة لتراجع وفشل الممارسة الديمقراطية في الكويت هو الاحتكام إلى الآليات الديمقراطية بمنطق الأغلبية العددية، لذلك أصبح من المسلمات في الممارسة الكويتية فوز أكبر القبائل وأكبر العائلات والطوائف عددياً بمقاعد مجلس الأمة. ومعنى ذلك أن ثقافة التوافق السياسي في المجتمع شبه معدومة، لذا نجد بعض أقطاب الأحزاب الدينية والقومية يفوزون ليس لانتمائهم العقائدي، بل لانتمائهم القبلي أو الطائفي أو العائلي.

ثقافة التوافق السياسي في أي بلد ديمقراطي قادرة على تذويب الاختلافات السياسية والفكرية في بوتقة واحدة تخدم بناء الدولة الوطنية، وتحقق مفهوم المواطنة الصحيحة، وتبتعد عن المصالح الفئوية أو الشخصية الضيقة.

والسؤال هو: مَن المسؤول عن تردي الديمقراطية في الكويت؟

المسؤولية جماعية، فالحكومة مسؤولة لأنها أبقت التراث التقليدي (القبلي، والعائلي، والطائفي) كما هو من خلال توزيع المناطق حسب الانتماء القبلي والطائفي، ولم تحاول صهر جميع الفئات في المناطق السكنية لاعتبارات انتخابية.

وكذلك الحركات الدينية، سواء أكانت «إخوان مسلمين» أم سلف أم شيعة.. كلها حركات مؤدلجة إقصائية ترفض الآخر المختلف عنها، وهذا الأمر لم يكن موجوداً في الكويت في عهد المد القومي.

الشعب الكويتي أيضاً يتحمل جزءاً من المسؤولية، لأن كل ناخب يبحث عن مصلحته الذاتية ومصلحة عائلته أو قبيلته أو طائفته، ولا أحد يفكر بمصلحة الوطن في اختيار الأفضل لكي يمثله في البرلمان.