رائد جبر 

أعاد مشهد التغطيات الإعلامية الروسية على خلفية المواجهة مع الغرب نكتة قديمة راجت في نهاية العهد السوفياتي، مفادها أن الروس يستخدمون بكثافة مصطلحات التفضيل لإظهار تفوقهم على الآخرين، حتى بلغ الأمر أن باتوا يفاخرون بـ «أحدث صاروخ» و «أقوى قنبلة» و «أعظم غواصة نووية» و «آخر اتحاد سوفياتي في العالم». لكن الحال تطورت كما يبدو مع الطفرة الجديدة التي وفرها التواجد العسكري الكثيف في سورية، وهو بحق «أوسع تواجد عسكري روسي خارج الحدود في التاريخ» والحديث عنه لم يعد مقتصراً على الشاشات وشبكات المواقع الإلكترونية بصيغ التفضيل والمبالغة، بل تعدى ذلك ليدخل عالم «الرعب».

وتبدو عناوين الأخبار والتحقيقات التي تنشرها وسائل إعلام روسية، وتحديداً تلك الموجهة إلى العالم العربي وكأنها خرجت للتو من أحد أفلام الرعب الهوليوودية، مثل عنوان مقالة: «... وظهر الصاروخ الروسي المرعب للمرة الاولى» أو تحقيقات حملت عناوين مثل «رعب نووي روسي على القضبان» و «روسيا تبني قاذفة مرعبة» و «باك دا قاذفة صواريخ الرعب الروسية الجديدة تفزع الغرب» و «اختبار أشرس تاسع مقاتلة روسية» و «تو-160 ترعب 4 دول أوروبية» و «أسلحة جديدة للجيش الروسي تخيف الأعداء».

الأمثلة كثيرة جداً وكلها تغوص في عالم الرعب والتخويف والإثارة، ناهيك عن تبشيرها المتواصل بأن «المواجهة الكبرى على الأبواب» و «الحرب العالمية الثالثة بدأت من سورية» وروسيا «ستحطم أحلام الهواة العسكرية»، حتى تكاد توحي أن صانع القرار الروسي يتعمد أن تذهب تغطيات وسائل الإعلام الموجه في هذا المسار. لكن اللافت أن هذا الخطاب لا يبرز كثيراً في وسائل الإعلام الناطقة بالروسية، وهي كلها حكومية التمويل وتدين بالولاء للرئيس فلاديمير بوتين، بل يقتصر غالباً على تغطيات القسمين العربيين في شبكة «أر تي» (روسيا اليوم) التلفزيونية والموقع الإلكتروني لوكالة أنباء «سبوتنيك»، وللأخير حصة الأسد منها.

ولا جواب لدى المعنيين في شؤون الإعلام الروسي عما إذا كانت تلك التغطيات نتاج «سياسة تحريرية» فريدة من نوعها أو بسبب غياب تلك السياسة مع غياب الرقابة في مؤسسة تحصل على تمويلها بالكامل من الكرملين.

ولا يقتصر الأمر على التغطيات «النارية» للحشود العسكرية والقدرات المذهلة للأسلحة الروسية، فكل ما يتعلق بسورية مثلاً له نكهة خاصة ليست رائجة في الإعلام الروسي، تبدو كأنها خرجت للتو من مدرسة الإعلام الرسمي السوري، أو كأن هذه المؤسسات الإعلامية ليست مقيمة في موسكو بل في دمشق، بدءاً من التزام عبارة «السيد الرئيس» عند الإشارة إلى الرئيس السوري بشار الأسد، وتكرار عبارات التلفزيون السوري عن «الإرهابيين المطالِبين بالحرية» وصولاً إلى الهجمات العنيفة المتواصلة ضد دول عربية «تقود المؤامرة على سورية».

وبات الهجوم على العرب رائجاً على الموقع الإلكتروني لـ «سبوتنيك»، لدرجة أن ديبلوماسياً عربياً أبدى استغرابه لأن «نسمع من السياسيين الروس كلاماً إيجابياً حول الحرص على تحسين العلاقات ونرى في وسائل إعلام موجهة إلى العالم العربي ابتذالاً وتزويراً في المعطيات يضر بذلك الجهد».

أما على الجانب الآخر، قال مسؤول روسي في مؤسسة إعلامية لـ «الحياة» أن «هذه اللغة الإعلامية باتت في حاجة ماسة إلى المراجعة والمحاسبة، لأنها تضر بسمعة روسيا وتظهرها غولاً له أنياب».