ياسر الغسلان

السبب الأول لما عرف بالحروب الصليبية كما درسناه في مناهجنا هو أنها شنت من المسيحيين من أجل التوسع الجغرافي والاستعمار الاقتصادي والسيطرة على خيرات الأمم، هذا هو السبب الذي سطرته كتبنا المدرسية عندما كنا صغارا مستبعدين أن تكون الجيوش المسيحية قد شنت هجماتها من أجل أسباب دينية، وهو ما اتضح لي بعد سنوات من القراءة والاستيعاب أنها بالفعل كانت حروبا مصلحية لا علاقة للدين بها إلا باعتباره محركا وذريعة لتمويل الجيوش وكسب التعاطف الشعبي.
اليوم ونحن نعيش في حروب صليبية من نوع مختلف من جهة ومطابق من جهة أخرى، يحمل لواءها ما يعرف بداعش، علينا أن نسأل أنفسنا إن كان هؤلاء الذين يحاربون الجميع ويكفرون الجميع ويرهبون الجميع يعملون حقا باسم الدين؟ وهل هناك أساسا في هذا العالم ذو كفاءة وصلاح بأن يقوم بحرب باسم منهج وفكرة وإيمان، بعد أن كشف لنا التحليل العقلي والمحايد للتاريخ أن الحروب التي تحركها القناعات الإيمانية لإنقاذ البشر انتهت بموت أعظم البشر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
كذبة كبرى في تقديري أن تعزى كل المواجهات العسكرية التي تدور بين الدول اليوم وبين الجماعات والدول لخلفيات إيمانية، وكأن جيوش سيدنا محمد هي التي تتحدث عن شرف القتال والدعوة بالتي هي أحسن وحماية الطفل والمرأة والشيخ، خصوصا أننا نرى أن كل من يدخل في معترك القتال قد لوث يده بقتل الأبرياء وارتكاب الفظاعات وإن كانت بالخطأ أو بالقصد، والمزايدة باسم الحرب المقدسة اليوم هي السبب الذي يجعلني مقتنعا بأنه ليس هناك أي منطق لمباركة أي حرب، وأن دعاة الحرب باسم إعلاء الدين إن كانت داعش أو غيرها ليسوا إلا مزايدين باسم دين السلام، فإن كان المسيح قد صلب وفق الرواية المسيحية لأجل تطهير خطيئة الإنسان فأي خطيئة أكبر من التي ارتكبها الصليبيون بعد ذلك بالقتل باسم المسيح المصلوب؟!
وبعد أن أكرمنا الله بدين قال (لكم دينكم ولي دين) نجد أن القتال باسمه ينطلق زورا لاختلاف تطبيق شعيرة أو تفضيل صحابي على آخر، فوالله لا أجد كذبة أكبر من إقحام الدين في خلاف دنيوي خاسر لم يملك حجه لإقناع البسطاء إلا بإلباسه ثوب هذا الدين البريء منهم، أو انتصارا لصلب مسيحهم المزعوم.