صالح القلاب 

المفترض أن ينتهي الاحتقان اللبناني، وأن تنتهي معاناة طويلة جعلت اللبنانيين كمن يجلس فوق فوهة بركان، من الممكن أن ينفجر أي لحظة، وأن يتم انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للبنان، الذي بقي "يحاول مُلكا أو يموت فيُعْذر"، ولسنوات طويلة تقلَّب خلالها في تحالفاته الداخلية والإقليمية، وأيضاً الدولية على جنبيه مرات عدة، وأصبح صديقه عدوه وعدوه صديقه مرات عدة، وذلك إلى حد أنه باع في لحظة استبدت به شهوة الجلوس على كرسيِّ الرئاسة في قصر بعبدا أقرب الناس إليه سياسياً، واشترى الذين كان دخل معهم في مواجهة عسكرية، واضطر إلى الاحتماء بالسفارة الفرنسية في بيروت، وحيث تم نقله إلى باريس ليلتحق بـ"العميد" ريمون إدَّه، الذي كان يعتبر، وهو كذلك، أشرف سياسي لبناني منذ استقلال بلاد الأرز وقبل ذلك وحتى وفاته.

والجنرال عون هو رابع عسكري يصل إلى قصر بعبدا، ويصبح رئيساً لبلد رغم جماله ورغم طيبة أهله إلا أن إدارة الحكم فيه، قياساً بالدول العربية المجاورة والبعيدة وبدول العالم الثالث كلها: "أصعب من خرط القتاد"، فهناك سبع عشرة طائفة، وكل طائفة يتنازع على "تزعمها" ليس سبعة عشر متزعماً وإنما سبعون، وهناك أكثر من ألف حزب بعضها حقيقي وفعلي وبعضها الآخر شكلي ووهمي، وهناك السفارات الأجنبية التي تمارس عملها ليس الدبلوماسي وإنما الاستخباري، وكأن هذا البلد بلا رئيس ولا رئاسة ولا برلمان ولا حكومة، ثم هناك الصحف البيضاء و"الزرقاء" و"الصفراء" المنفلتة من عقالها، والتي تتبع معظمها، إن ليس كلها، لدولة وربما أكثر من دولة، وهناك هذا الجوار السوري الذي لم يقبل حتى الآن ببيروت عاصمة دولة مستقلة، وأنها قد تحررت من تبعيتها لـ"دمشق الشقيقة"، وهناك إضافة إلى هذا كله إسرائيل التي هي بوجودها وبتطلعاتها الاستحواذية هي سبب الأوجاع التي تعانيها دول المنطقة.

لقد سبق الجنرال عون إلى قصر بعبدا، كل من: أولاً الجنرال فؤاد شهاب، الذي أثبت خلال فترة حكمه ولمرتين أنه يتقن فنون السياسة وبالطريقة اللبنانية أكثر من كل من يعتبرون أنفسهم ويعتبرهم الآخرون "دهاقنة" الألاعيب السياسية... لقد تبوأ هذا الجنرال القدير، الذي يعتبر في مقدمة آباء الجيش اللبناني، مواقع المسؤولية بكبرياء وشرف، كما استطاع أن يمسك وبنظافة كل خيوط اللعبة الإقليمية والدولية وفي مقدمتها الخيوط العربية.

بعد ذلك وبعد سنوات طويلة، وبعد انهيارات متعددة، وبعد حرب أهلية طاحنة، أصبح "سيِّد" قصر بعبدا الجنرال إميل لحود، الذي كان مجرد بيدق صغير على رقعة شطرنج نظام حافظ الأسد ونظام ابنه.

واليوم، هذا اليوم الاثنين، عندما يصل "الأمر" إلى جنرال جديد، كان الذي سبقه ميشال سليمان، ورغم كل ما واجهه من ظروف صعبة، قد حافظ وبقدر الإمكان على شيء اسمه الدولة اللبنانية بهيئاتها الأساسية الثلاث: رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء والبرلمان، فإنه لابد أن يقال للجنرال ميشال عون إن أفضل عسكري وصل إلى قصر بعبدا في تاريخ هذا البلد الجميل وتاريخ شعبه المبدع حقاً هو الجنرال فؤاد شهاب، أما الأسوأ فهو إميل لحود، وهكذا فإن أمامك، وهذا إذا تم انتخابك رئيساً لبلاد الأرز بالفعل، طريقاً صعباً، وتحديات كثيرة من بينها هذه الإقطاعية الإيرانية التي تسمى زوراً وبهتاناً "ضاحية بيروت الجنوبية"، والتي على رأسها من يفاخر ويفتخر بأنه "مقاتل في فيلق الولي الفقيه".