عبدالله خليفة الشايجي

منذ وصولي إلى واشنطن قبل أيام للمشاركة في مؤتمر عن مستقبل العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة في ظل الإدارة الأميركية الجديدة سواء كانت إدارة كلينتون، أو إدارة ترامب، لا حديث يعلو ويسيطر على وسائل الإعلام المستنفرة، ووسائط التواصل الاجتماعي المتحفزة، ولا حتى الأحاديث مع الأكاديميين وأساتذة الجامعات وحتى سائقي التاكسي، الذين صوَّت بعضهم مبكراً أو غيابياً.. سوى عن انتخابات العصر، وعن ترامب وتصريحاته النارية المستفزة، وما يطلقه من اتهامات بأنه سيتم تزوير الانتخابات، وأن هناك مؤامرة ضده من المؤسسة الحزبية، ومن الإعلام الليبرالي الذي يضخم أخطاءه وهفواته ويتجاهل تجاوزات ورياء وكذب كلينتون.. ولم يصل الأمر بالمرشح الجمهوري ترامب فقط إلى التشكيك في نتائج الانتخابات والدعوة لاحتجاجات وسط خشية من أعمال عنف في حالة خسارته، بل تجاوز ذلك أيضاً إلى التشكيك حتى في استطلاعات الرأي التي تُظهره متأخراً بأكثر من 6% وبخاصة في الولايات المتأرجحة، وغير المحسومة بشكل قاطع.

ويبدو التنافر واضحاً بين برنامج وخطاب كل من كلينتون وترامب. والصراع بين مرشح النظام والمؤسسة الحزبية والاستمرار على النهج الرسمي (كلينتون)، وممثل التغيير ورفض «الفشل» الذي تمثله المؤسسة الحزبية بشقيها الجمهوري، والديمقراطي (ترامب).

ولهذا تكتسب هذه الانتخابات التاريخية أهمية خاصة. فهناك لأول مرة امرأة، هي كلينتون، انتزعت ترشيح حزب رئيسي هو الحزب الديمقراطي. وستدخل كلينتون التاريخ الأميركي في حال فوزها، وستصنع التاريخ لتصبح الرئيس 45 في تاريخ الولايات المتحدة، وأول امرأة تدخل البيت الأبيض خلال 250 عاماً.

وهناك أيضاً مرشح هو ترامب فرض نفسه على الحزب الجمهوري وصار مرشح الحزب المنقسم والمحرج من طرح ومواقف ممثله واستهدافه لقيادة الحزب، وما يكرره من تهجّم وازدراء للمرأة والأقليات الدينية والعرقية، حيث بات ترامب عبئاً على حزبه، وسط خشية من خسارة الجمهوريين لأغلبيتهم في مجلس الشيوخ (5 مقاعد) وربما حتى مجلس النواب (30 مقعداً)!

ولا شك أن الحدث الأهم هذا العام، الذي يثير اهتمام الأميركيين وقادة الدول حول العالم، من خلفاء وخصوم وأعداء أميركا، هو مَن سيكون ساكن البيت الأبيض، وتركيبة الإدارة الأميركية الجديدة وتوجهاتها وسياساتها وأولوياتها؟ ولا يقل أهمية عن ذلك التساؤل المهم: هل ستستمر إدارة الرئيس الأميركي القادم على نهج ومبدأ الرئيس أوباما، برفع اليد والانكفاء، والتسبب في قلق الحلفاء وارتياح الخصوم والأعداء؟ أم سيكون ذلك استثناءً، وسنشهد تغييراً إلى دور أميركي أكثر حضوراً والتزاماً وتفاعلًا للتعامل مع النيران والأزمات المشتعلة حول العالم.

وما هو لافت هو شبه غياب الشؤون الخارجية والأمنية عن الحملة، وسيطرة الشؤون الداخلية والاقتصادية وقضايا الضرائب والهجرة واللاجئين والعلاقة بين أعراق أميركا.. وتبادل الاتهامات بين كلينتون وترامب، وعزوف الناخب الأميركي عن خطاب الكراهية والاتهامات المتبادلة بشكل غير مسبوق في انتخابات رئاسية أميركية، ما يجعل هذه الانتخابات هي الأكثر بشاعة وتقاذفاً بالوحل وكشفاً للفضائح بين المرشحين أمام ناخبين قلقين وغير مقتنعين بكلا المرشحين اللذين لم تتجاوز شعبية أي منهما 50%، ونسبة رضا الناخبين عنهما تعد واحدة من أقل النسب. ولكن لا توجد فعلياً خيارات عملية بديلة عند الناخبين سوى كلينتون ممثلة الاستمرارية والمؤسسة الرسمية. أما دونالد ترامب، الذي يصرخ في وجه فشل المؤسسة الحزبية ويندد بسجل كلينتون الفاشل، فيقدم نفسه كممثل للتغيير والإصلاح، ولكن بنفَسٍ وخطاب شوفيني منفّر ومستفزّ!

وكما نرى فإن الصراع على البيت الأبيض بين ⁧‫كلينتون‬⁩ و⁧‫ترامب‬⁩ يزيد من انقسام المجتمع الأميركي. ويبقى نحو أسبوع قبل يوم الاقتراع الكبير، في الثلاثاء 8 نوفمبر، وحمى الصراع تحتدم الآن وتتكاثف الزيارات بلا توقف للولايات المتأرجحة. وثمة إعلانات تليفزيونية مليونية لكل واحد من المرشحين تنال وتشكك في المرشح الآخر! وواضح انقسام الشعب الأميركي وشعوره بالقلق والتوتر من الاستقطاب المتواصل حول الانتخابات. وأكثر من نصف الأميركيين يشعرون بالضغط النفسي والتوتر، ويتمنون أن ينتهي الموسم الانتخابي الذي كلّف المليارات بأسرع وقت ممكن!

ويُضاف إلى ذلك، ولأول مرة، تزايد الاتهامات بتزوير الانتخابات والتشكيك في استطلاعات الرأي وتدخل دولة أجنبية (روسيا) في الانتخابات للتأثير على نتيجتها كما تدّعي كلينتون والحزب الديمقراطي. وهناك تسريبات «ويكيليكيس» عن فساد واستفادة هيلاري وزوجها الرئيس الأسبق من «مؤسسة كلينتون».. وهناك مراوغة حول قضية حول البريد الإلكتروني ومسحها 30 ألف رسالة إلكترونية عندما كانت وزيرة للخارجية!

وسنغطي لتليفزيون دولة الكويت مسار الأيام الأخيرة من انتخابات الرئاسة الأميركية المحمومة التي مضى عليها عام ونصف العام.. وتبقى هذه الانتخابات الأميركية هي الأطول والأعقد والأكثر تكلفة وأهمية وتأثيراً على مستوى أميركا، وعلى النظام العالمي، وعلى كثير من الأزمات والصراعات والقضايا حول العالم أجمع. ولنا عودة.. إن شاء الله.