شما بنت محمد بن خالد آل نهيان

نعيش الآن في حالة تشابك بين الثقافات المختلفة، وفي حالة اختلاط وزخم تبادلي، ومع ذلك التطور التكنولوجي الكبير جداً في وسائل الاتصال وانحباس العالم داخل شبكة عنكبوتية تمد خيوطها حول العقول لتسيطر على أفكارها وإرادتها وتتدخل في تشكيل الهوية الفردية، ومن ثم تكوين الهوية الجمعية لأي مجتمع.

الهوية هي مجموعة من السمات الشخصية المادية والفكرية والسلوكية التي تشكل المفاهيم والأفكار والسلوكيات التفاعلية مع الموجودات الحياتية المحيطة بها، وتتحكم في رؤية الإنسان لعالمه الذاتي وعلاقته بالعالم المحيط به.

ومن مجموع الهويات الفردية تتكون هوية المجتمع الذي يتشابه أفراده في الكثير من السمات العامة بكل أنواعها، فالتأثير ما بين الهوية الفردية والهوية المجتمعية هو تأثير تبادلي، فالفرد يكوّن المجتمع

والمجتمع يؤثر في الفرد وتبقى العلاقة بينهما علاقة بندولية لا تتوقف.

كان الإنسان في الماضي البعيد إذا أراد البحث عن المعرفة وإدراك العالم شدّ الرحال لبلاد ومجتمعات، وعاش فيها لمدة قد تصل لسنوات، ليشاهد ويتعلم ويتأثر.

وبعد ظهور الكتاب أخذ دوره في خدمة البشرية من أجل المعرفة واختصر الوقت والجهد الذي يبذله الإنسان في سبيل البحث عن المعرفة، أما الآن أصبحت الحضارات المختلفة تأتي إليك بمجرد استدعائها على شاشة حاسوبك أوهاتفك المحمول وتنفتح أمامك بوابة الكون عبر الشبكة العنكبوتية، التي تتغلغل في كل العالم، وما زال العلم يتطور والتكنولوجيا تقفز قفزات واسعة نحو المستقبل. في ظل هذا التطور السريع أصبحت الهوية الفردية معرضة لعواصف من التأثير بالهويات الأخرى، سواء من الهويات الفردية المحيطة داخل المجتمع الواحد، أو من الهويات الثقافية الأخرى التي تخترق مساحة المعرفة من خلال تنامي التواصل التكنولوجي الحديث، فكلما كان المجتمع قوياً بالمعنى الشامل للقوة كانت قدرته على التأثير في الهويات الأخرى أكبر فقد تصل إلى حالة من الاستنساخ في المجتمعات الهشة، ولكن تبقى الكثير من الهويات الثقافية قوية وصامدة وقادرة على المقاومة، وذلك لقوة التماسك المجتمعي وبقاء القيم المجتمعية الموروثة حية في سلوكيات أفراده.

من هنا نجد أن الهوية الإماراتية تقف في مواجهة فيض من الهويات الإنسانية المختلفة وذلك بسبب انفتاح دولة الإمارات العربية المتحدة على العالم واحتضانها للكثير من الجنسيات من كل ركن من العالم لتقدم نموذجاً للعالم كيف يمكن لجميع الجنسيات والأعراق المختلفة أن تتعايش في سلام، في ظل قانون يحمي القيم الإنسانية، وحق الإنسان في الحياة، لذلك لابد وأن نحمي هويتنا الإماراتية من خلال دور الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام المرئية في تعريف الأجيال الجديدة بتراثنا الإماراتي والمحافظة على عاداتنا الأخلاقية الموروثة، ولايتوقف الأمر على التعريف بالحكايات والقصص المروية عن أجدادنا وعن عاداتنا، لكن لابد أن نتخطى عتبة الحكي ونستدعي في سلوكياتنا اليومية ميراثنا الأخلاقي والقيمي، ويبقى دور الأسرة هو الدور الأكبر والأهم في الحفاظ على هويتنا الإماراتية بتفاصيلها الرائعة.

ومما لاشك فيه أن الخطوة الأولى تكمن في المحافظة على هويتنا اللغوية، فهي الوعاء الحامل لكل تفاصيل الشخصية الإماراتية وتبقى جهود الدولة متواصلة من أجل المحافظة على هويتنا بكل تفاصيلها وخصوصيتها المتفردة التي ذابت فيها حضارات عبرت على هذه الأرض الطيبة من أزمنة فاتت، فها نحن نقترب من نهاية عام القراءة.. وانقضى شهر أكتوبر وهو شهر القراءة، واستعاد الكتاب جزءاً كبيراً من حيوية العلاقة المعرفية بينه وبين الإنسان على أرض الإمارات، وخاصة الأطفال، فهم المستقبل لهذا الوطن، والذي فيه انطلقت العديد من المبادرات الوطنية التي تهدف لتعزيز اللغة العربية. ويأتي هذا العام مواكباً صدور واحد من القوانين الأهم في الحفاظ على التراث والهوية الإماراتية وتعزيزها في نفوس الأجيال وهو قانون التراث الثقافي لإمارة أبوظبي ليساهم في تعزيز الهوية الوطنية بصورة منظمة والإبقاء على خصوصية هويتنا الإماراتية وسط هذا الفيض اللامنتهي من الثقافات والحضارات المختلفة.

كلمة أخيرة يبقى تلاحم وتنظيم جهود الدولة، وجهود الأسرة هو السد الحامي لهويتنا الإماراتية لإبقاء أطفالنا تحت مظلة قيمنا وموروثاتنا الأخلاقية والإنسانية.