الرجل المطبوع بالمفاجآت إلى الوضوح الرئاسي خلط واسع داخلي يواكب العهد العوني

روزانا بومنصف

ينبغي الاعتراف بان المسارالسياسي الذي سلكه العماد ميشال عون على مدى ما يقارب ثلاثة عقود من اجل الفوز برئاسة الجمهورية التي تعقد له اليوم لم يكن سهلا اطلاقا بعدما جرب كل الوسائل من اجل ان يحظى بها الى ان ساهمت جملة عوامل في ان تنتهي اليه. ومن دون الدخول في التفاصيل في هذه النقطة تحديدا فان الرجل الذي حمل شعارا فاخر بانه ابرز صفاته منذ العام 1989 اي انه رجل لا يمكن توقع افعاله انطلاقا من مبدئه على الارجح بانه قائد عسكري لا يفصح عن خطوته التالية او يترك متابعيه ليفاجئهم كما يفعل اي قائد في معاركه قد يكون اضطر الى التخلي عن هذا الشعار او هو على وشك ان يفعل لان المطلوب منه ان يكون واضحا ومحددا ولا يفاجىء الداخل والخارج على السواء من خلال التفاهمات التي عقدها او القيود الخارجية التي توالت عليه لالتزامها من اجل الاطمئنان الى رئاسته. فكونه رجلا لا يمكن توقع افعاله او ردود فعله ساهم في ابعاده طويلا عن الرئاسة فيما نجح في ركيزة اخرى كان اعتمدها ايضا قبل 27 سنة هو ارغام الخارج بالقوة على دعمه. كان ذلك دأبه في الضغط على القوى المؤثرة وخصوصا الاميركيين من اجل القبول به ودعمه للرئاسة ولم ينجح انذاك فيما نجح راهنا. ولا يمكن القول ان ذلك لم يتحقق له ولو عبر قوة لم تكن قوته كليا بل بدعم قوي من حلفاء مؤثرين لديهم حساباتهم ايضا. لكن الدعم مرهون بادائه في نهاية الامر ولو ان الدول تعمل وفق مصالحها وليس وفق عواطفها.

وصول عون رئيسا سيكشف وفق مصادر سياسية المشهد على جملة امور قد يكون في مقدمها حتمية مغادرته مقعد المعارضة الذي ظل رافعا شعارها ولو كان في الحكومة سابقا من اجل ان يكون مسؤولا بنسبة كبيرة جنبا الى جنب مع الحكومة في ما يقود البلد اليه عبر مواقفه وسياساته وقراراته. يعتقد سياسيون ومراقبون ديبلوماسيون ان وصول عون الى الرئاسة قد يكون ذروة السقوف المسيحية المرتفعة التي اعتمدها خلال الاعوام الماضية لغاية رئيسية هي وصوله الى الرئاسة وكان يحرج بها الافرقاء المسيحيين الاخرين من اجل السير بها تحت وطأة اتهامهم بعدم السعي الى تحقيق الحقوق المسيحية. فاي مطلب كان سيواجه بواقع ان الفريق المسيحي قد حظي بجائزة اليانصيب عبر ايصال مرشحه القوي الى الرئاسة وهو لن ينال اكثر من ذلك. وهو امر يرسم علامات استفهام كبيرة على قانون الانتخاب العتيد الذي تؤكد مصادر عدة انه بات من مصلحة التيار العوني وفي ضوء العلاقات الودية مع "القوات اللبنانية" ان يسعى الى تثبيت قانون الستين منعا لوصول مسيحيين مستقلين واحتكار التمثيل المسيحي. علما ان على كتف التحالف المسيحي حمالا يشكله كل من النائب سليمان فرنجية من جهة والنائب سامي الجميل من جهة اخرى اللذين سيكونان جاهزين لقطف ثمار المعارضة المثمرة عند اي خطأ او انحراف مسيحيا كان او وطنيا خصوصا ان احدا لا يتوهم ان رئاسة عون تلبي طموح جميع المسيحيين وايضا جميع اللبنانيين.
ثمة خلط للاوراق السياسية وللتحالفات في البلد على وقع جملة امور: بداية من زيارة الموفد السعودي ثامر السبهان الى بيروت التي اعطت دفعا للرئيس سعد الحريري ولو على نحو غير مباشر من ضمن طائفته وقاعدته في الدرجة الاولى نتيجة سعي الرياض الى ان تكون حاضرة في المشهد السياسي الذي سيؤدي الى انتخاب عون للرئاسة الاولى بحيث تراجعت او ضعفت المعارضات للحريري نتيجة قراره دعم ترشيح عون ومن ثم في دخول المملكة الى المشهد وكأنها غير بعيدة منه في مسعى يستوعب رئاسة عون ويدفعه الى دائرة التوازن في المرحلة اللاحقة. وتاليا فان السؤال سيكون حول ما يمكن ان يكون تقاربا يثير قلق " حزب الله" في هذا المشهد خصوصا في ظل عنوان خلافي ظاهريا على الاقل داخل الثنائية الشيعية على انتخاب عون وعدم احتلال الرئيس نبيه بري موقعا متقدما في اخراج الموضوع الرئاسي ونزع كل من الرئيس الحريري ورئيس حزب "القوات" الدكتور سمير جعجع ظاهريا ايضا ورقة حصرية ايصال العماد عون الى قصر بعبدا. وذلك في حين يتجنب الحزب المجاهرة بانتصاره ولو انه نجح في املاء هذا الخيار على الافرقاء السياسيين بعد سنتين ونصف من التعطيل القسري لرئاسة الجمهورية دعما لرئاسة عون لادراكه ان هذا الانتصار لن يكون ممكنا قطف ثماره نتيجة عزلة دولية يمكن ان يواجهها لبنان على كل الصعد شأنه في ذلك شأن ما واجه عهد اميل لحود في ولايته التي مددت في ظروف قسرية معروفة. لكن وفيما التقارب الحاصل بين عون والحريري وبين عون وجعجع وبين الحريري وفرنجية، فان عون رئيسا قد يضطره الى المساومة على مواقف للدولة اللبنانية ليس من المرجح او المؤكد ان تصب في مصلحة الحزب ايا يكن التحالف " الوجودي " خصوصا اذا شاء عون الابقاء على الحد الممكن من الدعم الداخلي له في انتظار الحصول على الدعم الخارجي.
هذا المشهد السياسي لا يسمح بمقاربة على غرار اي مقاربة سابقة من عون متى غدا رئيسا على رغم استمرار الخشية التي تؤكدها المعارضة الواسعة لانتخابه ولو انها اختتمت في نهاية الامر بمجموعة موافقات قسرية قد لا يتوقف عندها متى نال ما يريده لكنها ستكون خزانا لمعارضة لن تكون سهلة لاحقا.