حسين شبكشي

 جاء مشهد انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للبنان مطابقًا تمامًا للوضع اللبناني. كان مشهد الانتخاب في شكله المؤسساتي سليمًا، فالأعضاء الحاضرون كانوا كاملي العدد، وبعد ذلك تحول المشهد إلى فوضى غير مفهومة ألزمت رئيس مجلس النواب بإعادة الفرز لأسباب «سخيفة».

طبعا مجيء ميشال عون إلى سدة الرئاسة في لبنان هو ترجمة واقعية لروح «التاجر» في لبنان العاشق للصفقات والذي ينعكس على سياسة الذين يغيرون مواقفهم «المبدئية» أكثر من تغييرهم لبدلاتهم وأربطة العنق.
معظم المواقف التي أدت إلى وصول ميشال عون إلى الرئاسة نتيجة «انقلابات مبدئية» تصل إلى 180 درجة؛ تغيير كامل. ومع ذلك فعقلية التاجر اللبناني هي التي تغلبت وعنوان المرحلة كان «الغاية تبرر كل وسيلة».
ميشال عون وصل إلى مراده بعد مذابح دموية وهجرة قسرية ولجوء أجبر عليه، وكان أكبر معارض للوجود السوري في لبنان وتسليح ميليشيات مدعومة من إيران، وعاد إلى لبنان لينقلب على كل ذلك في سبيل الوصول إلى كرسي الرئاسة، وتحالف مع أعدائه وغض النظر عن المجازر التي يرتكبونها.. كل ذلك في سبيل الوصول إلى الكرسي، واستمر في سعيه الدؤوب لأجل تحقيق حلمه الخاص ومجده الشخصي. وحصل على ما أراد وقد تخطى الثمانين من العمر. وصل بعد أن أقسم أعداؤه أنه لن يصل، ووعد المنجمون أنه لن يصل، ومع ذلك وصل على الرغم من خصومه ومن مؤيديه الذين لم يكونوا على قناعة تامة به.
يأتي عون إلى الرئاسة وهو الرئيس الثالث عشر وهناك من يتشاءم بهذا الرقم لأسباب ثقافية، وهناك من يتشاءم اعتقادا أنه قد يكون آخر رئيس «ماروني» لأن الطرف المؤيد له غير راغب في الاستمرار بنفس أسلوب المحاصصة الطائفية ويرغب في جائزة أكبر وكعكة أهم تعكس نفوذه الحقيقي اليوم على الأرض سواء سياسيا أو عسكريا أو ماليا. وصول عون إلى الرئاسة لم يكن سهلا بل كان أشبه بخلع ضرس أو ولادة قيصرية ولكنه قد جاء. هو الرجل العسكري الذي جاء بعد مسيرة طويلة من التمسك بتحقيق حلمه بالوصول للحكم وقد كان. يبقى السؤال، وهو الرجل الذي ليس لديه ما يخسره، فهل يعلنها صراحة بأنه مع الدولة المدنية والتي لا سلاح فيها إلا بأيدي الجيش ولا أحد غير الجيش، وهل يعيد لبنان إلى مكانته كواحة استقرار لا علاقة له بتأييد أنظمة تبيد شعوبها ولا بميليشيات تقاد وتدار من دول أخرى؟ هل عون كان يطمع في الوصول إلى كرسي الرئاسة فقط أم أنه يريد أن يكون رئيسًا لبنانيًا خالصًا لا يقبل النفاق لسوريا ولا أن يؤتمر من إيران وأتباعها. الأيام ستبين ذلك، وخصوصًا أنه قد أغضب الكثيرين من أصدقاء لبنان من الدول العربية وكذلك الكثير من أطياف لبنان نفسه.