يعقوب الشراح 

تتجه الأحداث في الإقليم العربي نحو تغيرات كبيرة في المجال الجغرافي والسكاني والاستراتيجي للعديد من الدول، خصوصاً الخليج الذي يرى المحللون السياسيون والعسكريون أن تأثيرات القتال في العراق وسورية تحديداً ستؤدي في المدى البعيد إلى تغيرات في البنية الجيوسياسية والأنظمة القائمة، وعلى نحو يحقق مصالح القوى الغربية.

تشير التحليلات السياسية إلى أن الانتهاء من القتال في الإقليم العربي، خصوصا العراق وسورية لن يكون نهاية المطاف، ولا السبيل للاستقرار، وإنما هو إنجاز لمهمة أو حلقة من حلقات تغييرات مفروضة على الإقليم العربي وعلى دول مجلس التعاون التي مازالت تشهد حالة من الاستقرار والازدهار مقابل ما يحدث من خراب وفوضى في كامل الإقليم العربي. لهذا، فلن تكون دول مجلس التعاون بمنأى عن المخاطر المحتملة للنزاعات العرقية والطائفية التي هي الأساس لأوجه القتال بين المسلمين في الإقليم، والسماح بالتدخلات الخارجية المدمرة. إن ما يساند هذا الاعتقاد ظهور عدد من العوامل أو المؤثرات المحركة للفوضى والخراب منها الموقف الدولي من القتال في العراق وسورية، وصعوبة تفادي الضغوطات على الدول الخليجية التي جعلتها تشارك في أزمات الإقليم من النواحي العسكرية والسياسية والاقتصادية وبالذات مكافحة الإرهاب رغم قلقها من تمدد القتال، وإنهاك قدراتها على تنمية مجتمعاتها ورغباتها في الاستقرار، وان سياسات عدم الانحياز لم تعد ممكنة في ظل الأوضاع الخطيرة المهددة لها ولغيرها. هناك شواهد مختلفة للتحركات الخفية العدائية تجاه مجلس التعاون وراءها قوى إقليمية وعالمية لها أذرع في الداخل تمارس، للأسف، أجندات مذهبية وطائفية وتكفيرية في المعركة السياسية. ولعل الحرب في اليمن، وقانون (جاستا) الأميركي الموجه للسعودية تحديداً، والفتن، والخلافات الخليجية وغيرها هي بعض الأوجه المكروهة التي تنذر بمخاطر على الدول الخليجية.

كثيرون يرون أن الدول الخليجية العربية لن تكون في أمان واستقرار بعد انتهاء القتال في العراق وسورية، خصوصاً أن المخطط الغربي الصهيوني يعتمد على اكتمال حلقات التغيير للأوضاع التقليدية القائمة، وبالذات التغيير في المجالات الجيوسياسية والديموغرافية. لهذا فإن كل ما يحدث في الإقليم العربي يشكل معطيات واقعية لمستهدفات القتال الدائر في المنطقة، فمن الخطأ الظن بأن الدول الخليجية خارج اللعبة السياسية الدولية.

والسؤال المهم: ما العمل؟ من المؤكد أنه ليس هنالك طريق غير طريق توحيد الجبهة الداخلية الخليجية، ونبذ الطائفية والفتن، وترسيخ قيم المواطنة والتلاحم الشعبي أمام احتمالات العدوان وحدوث المكروه... إن الحاجة اليوم إلى اتحاد خليجي كونفيديرالي أصبح أكثر من مجرد رغبة وتمنيات أمام الأخطار المقبلة، فلابد من استعجال الاتفاق على منظومة خليجية متكاملة قادرة على مواجهة التدخلات الخارجية، ومكافحة الفتن والنزاعات الطائفية الداخلية والتي تستخدم الدين السياسي أسلوباً للفرقة والهدم.

إن المرحلة المقبلة تفرض واقعاً جديداً أمام تحديات «تكون أو لا تكون»، فالتغيرات يجب أن تعتمد على حقائق لا خلاف عليها في أن الأنظمة الطائفية أساس البلاء والمحن، وأن استعادة أمجاد التاريخ التي أدت ومازالت إلى الخلافات السياسية، والتهديدات الوجودية للدولة ومؤسساتها مازالت من العوامل الأساسية في إعانة القوى الخارجية على تحقيق مصالحها في المنطقة، ومعاناة الشعوب من ويلات الحروب والتشرد. إن مجلس التعاون مطالب في هذا الوقت أكثر من أي وقت بالانتقال إلى الاتحاد، وتقوية الجبهة الأمنية والعسكرية، وإنشاء كيان أو منظومة متكاملة بعيدة عن الخلافات تعتمد على مفهوم أن في الاتحاد والتعاون قوة، وقدرة على صد ودحر أي تهديدات موجهة لسلامتها وأمنها.