توفيق السيف

 

تطهير الموصل من «داعش» قد يستغرق أيامًا أو أسابيع. لكنها ستعود في نهاية المطاف إلى أهلها. السؤال الذي يتداوله العراقيون اليوم يتناول مستقبل الموصل، بعد هزيمة «داعش» المتوقعة.
كان رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني أول من أطلق صفارة الجدل، حين قال إن حدود الإقليم هي النقطة التي ستصلها قوات البيشمركة المشاركة في عمليات الموصل. وهذا يعني تقريبًا أطراف محافظة نينوى الشمالية والشرقية. لكن يبدو أن ما يسكت عنه أهل السياسة هو مرادهم وليس ما يقولونه. يريد بارزاني على الأرجح المساومة بورقة الموصل على ضمِّ ما يسمى المناطق المتنازع عليها إلى إقليم كردستان، وهذه المناطق تضم المدن التي يسكنها خليط من الأكراد وغيرهم، وأبرزها كركوك، المدينة النفطية الرئيسية في الشمال، فضلا عن أجزاء من محافظة ديالى الشرقية، التي تعتبر هي الأخرى نصف كردية.
عدد من وجهاء الموصل، أبرزهم محافظها السابق أثيل النجيفي، أراد استباق الأحداث، فحاول تشكيل ميليشيا محلية، واستعان بتركيا التي أرسلت بالفعل 2000 جندي لتدريب ما قيل إنه آلاف من الضباط الذين سبق أن خدموا في الجيش العراقي. لكن النجيفي أفلح في استقطاب 1200 عنصر فحسب، أطلق عليهم اسم حرس الموصل.
برّر الرئيس التركي دخول قواته إلى الأراضي العراقية بالحيلولة دون تغيير ديموغرافي للموصل بعد تحريرها. ونعرف أنه يشير إلى العراقيين التركمان الذين تريد تركيا وضعهم تحت حمايتها. لكن مشكلة التركمان ليست في الموصل، فمعظم هؤلاء يقطنون في تلعفر وهي أقرب إلى الحدود التركية من الموصل، ومحافظة كركوك، التي يطالب بها الأكراد.
كثير من أبناء النخبة الموصلية يدركون التعقيدات التي تحيط بمحافظتهم. يعلمون أن تحريرها من سيطرة «داعش» قد يكون بداية لجولة جديدة من الصراع بين القوى التي تتنازعها وتلك التي تتخذها ورقة في نزاعات أخرى. مجموعة من هؤلاء من أبرزهم المؤرخ المعروف سيار الجميل بادروا لطرح مشروع اعتبروه طريقًا للإفلات من التقاطعات الخطرة للقوى المحلية والإقليمية التي تتنازع المحافظة.
يقترح هذا المشروع تحويل محافظة نينوى إلى إقليم فيدرالي، يتألف مبدئيا من ست محافظات. وقد جرى اختيار حدود المحافظات بحسب أكثريتها السكانية. فسهل نينوى سيكون محافظة واحدة أو اثنتين للمسيحيين والأقليات الدينية الأخرى، وستكون كل من مدينة الموصل وجنوبها محافظتين للعرب، وسنجار للإيزيديين، ومخمور للأكراد، وتلعفر للتركمان، مع إمكانية فصل جزء من تلعفر ليكون محافظة أو اثنتين واحدة لعشائر ربيعة العربية وأخرى لعشائر زمار الكردية.
يعتقد الدكتور الجميل أن محافظة نينوى تتمتع بهوية خاصة متمايزة عن محيطها كله، وأن هذا يبرر فكرة الإقليم الذي لن ينفصل عن العراق، لكنه سيشكل تجربة ثانية بعد إقليم كردستان، سيما وأن الدستور العراقي يتسع لتحول محافظة أو أكثر إلى إقليم ذي صلاحيات واسعة.
لكنني أميل إلى الظن بأن القلق من التصارع الإقليمي والمحلي على الموصل، هو الدافع الرئيسي لهذا المشروع. فهو يقول ببساطة لكل المتنازعين: بدل أن تتقاتلوا، دعونا نتفق على التفارق من دون حرب. التطليق بإحسان يعطي كل طرف ما يريده بالتوافق مع الأطراف الأخرى.
أظن أن معظم العراقيين العرب سيعارضون الفكرة لأنها تشير إلى التقسيم البغيض في الثقافة العربية. لكن ثمة من يقول إن الأميركان يودون تطبيقها. وهي على أي حال أحد الحلول المحتملة، مع أن إقرارها يحتاج للكثير من النقاش.