بدأ اليوم الأول من عهد الرئيس اللبناني ميشال عون أمس هادئاً، بعد صخب احتفالات أنصاره في «التيار الوطني الحر» أول من أمس، فيما تواصلت ردود الفعل، خصوصاً الخارجية، على انتخابه مهنئة ومرحبة بإنهاء الفراغ الرئاسي، وكان أبرزها من وزارة الخارجية الأميركية، التي أشارت إلى دعمه من قبل «حزب الله»، واصفة الأخير بأنه «منظمة إرهابية». وقال الناطق باسمها جون كيربي: «نحن قلقون جداً إزاء ما يقوم به حزب الله في المنطقة... لكننا سنحكم على الرئيس بناء على القرارات التي سيتخذها في تشكيل الحكومة وتوجيهها». 

واتصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري هاتفياً بالرئيس عون مساء أمس لتهنئته بانتخابه، وأكد وقوف بلاده مع لبنان والتزامها دعم الجيش اللبناني في مواجهته الإرهاب وسعيه إلى تعزيز الاستقرار. كما أشار إلى أن بلاده، كما المجتمع الدولي، يتطلعان إلى تشكيل حكومة جديدة في أقرب وقت ممكن. وذكر المكتب الإعلامي في الرئاسة اللبنانية أن عون شدد لكيري على أهمية استمرار المساعدات الأميركية للجيش اللبناني الذي يعمل على تعزيز الأمن والاستقرار في البلاد. ورأى عون خلال الاتصال، أن الوصول إلى حل سياسي سريع للأزمة السورية سينعكس إيجاباً في لبنان، لا سيما في ما خص إيجاد حل لمأساة النازحين السوريين فيه.

وكان كيري اتصل بعد الظهر بزعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري لتهنئته على انتخاب العماد عون رئيساً، وعلى الدور الذي لعبه في وضع حد للشغور الرئاسي، كما أفاد المكتب الإعلامي للحريري.

ولقي خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس الجديد ترحيباً وقبولاً من قوى اقترعت له ومن بعض الشخصيات التي عارضت انتخابه. وانتقل الاهتمام إلى تشكيل الحكومة الجديدة التي تمنت أكثرية التعليقات الخارجية تأليفها في سرعة، فرشحت كتلة «المستقبل» النيابية بعد اجتماعها برئاسة الحريري الأخير لرئاستها، ولاقاها «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي بعد اجتماعه برئاسة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، مؤكداً أن أصوات نوابه ستصب لمصلحة الحريري في الاستشارات النيابية الملزمة التي يبدأها الرئيس عون اليوم وتنتهي ظهر غد، فضلاً عن إعلان قوى أخرى تأييدها خيار الحريري للرئاسة الثالثة.

واقتضى تسلم عون زمام الرئاسة الأولى، كقائد أعلى للقوات المسلحة، أن يلتقي قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي لطالما اعترض على التمديد له في منصبه في فترة الشغور الرئاسي، وعرض معه أوضاع المؤسسة العسكرية والأوضاع الأمنية. وجاء هذا الاجتماع وسط معلومات بأن تفاهم عون والحريري قبل الانتخابات الرئاسية شمل الإبقاء على العماد قهوجي في منصبه حتى نهاية مرحلة التمديد له في أيلول (سبتمبر) العام 2017، من باب الحرص على حفظ الاستقرار الأمني والسياسي واستمرارية القيادة العسكرية في مهمات مكافحة الإرهاب وتمكين المؤسسة العسكرية عبر المساعدات الخارجية والتعاون مع القوى الخارجية في هذا المجال.

وقالت مصادر مطلعة على التفاهم بين عون والحريري إنه يشمل الإبقاء على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في منصبه، والتجديد له ولاية أخرى بعد انتهاء مدة ولايته منتصف العام المقبل. كما اجتمع عون مع نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس الذي عاد إثر غياب طويل خارج لبنان منذ عام 2005، لتهنئة الرئيس الجديد، واستبعد توليه منصباً حكومياً في المرحلة المقبلة.

وربطاً بترقب الوسط السياسي الشروطَ التي سيطرحها رئيس البرلمان نبيه بري باسمه وباسم «حزب الله» وحلفاء آخرين شاركوه الاعتراض على انتخاب عون بالورقة البيضاء، للمشاركة في الحكومة العتيدة التي سيسعى الحريري إلى تأليفها، ترصد أوساط متعددة المحاولات المنتظرة لرأب الصدع بين الحريري وبري الذي كانت له مآخذه على التفاهم الثنائي الذي عقده الحريري مع عون، على رغم اتفاقهما، كما تقول أوساط بري، على تأييد رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية للرئاسة. وتراهن أوساط نيابية على أن يجد بري والحريري صيغة للقاء والتفاهم، لأن تأليف الحكومة يحتم ذلك، خصوصاً أن هناك سوابق من التعاون والتجاوب من زعيم «المستقبل» مع خطوات أقدم عليها بري، الذي كان قال إنه مع الحريري ظالماً أو مظلوماً. وقالت مصادر نيابية إن لقاءهما في البرلمان أثناء جلسة انتخاب الرئيس أول من أمس كان فاتراً. وأشارت مصادر أخرى إلى أنها تنتظر مدى قدرة بري والحريري على التلاقي من خلال سقف المطالب التي سيطرحها بري في التشكيلة الحكومية، والتي كان لمح إلى أنها ستشمل المطالبة بالثلث المعطل له ولحلفائه بعد استثناء حصة الرئيس عون منها، وهو ما تستبعد هذه المصادر أن يقبل به الحريري. ودعا نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم إلى «حكومة وحدة وطنية، تكون جميع الأطياف السياسية متمثلة فيها ما يحقق المشاركة الحقيقية»، في ظل تأكيد غير مصدر أن الحزب لن يسمي الحريري لرئاسة الحكومة.

وكانت كتلة «المستقبل» نوهت بـ «المضمون الإيجابي لخطاب القسم لجهة احترام الدستور والقوانين والتمسك بتنفيذ وثيقة الوفاق الوطني من دون انتقائية أو استنسابية، وتغليب الخطاب الوطني الجامع على الخطاب الطائفي والمذهبي والالتزام بتحييد لبنان من صراعات المنطقة والتأكيد على دور الجيش اللبناني في الدفاع عن لبنان، واحترام المواثيق والقرارات الدولية وميثاق جامعة الدول العربية». أما «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي، فأكد بلسان باسيل تأييده ترشيح الحريري لرئاسة الحكومة «لأنه اعترف بنا، ومهما جابه من صعوبات نقف معه». ورد باسيل على قول بري إن عون أحد أركان شرعية البرلمان، بطريقة غير مباشرة، فقال إن «العمل الشرعي الذي تم أمس هو أن البرلمان انسجم مع خيار اللبنانيين وخضع لقرارهم».

وفي نيويورك تلقى لبنان دعماً دولياً مع صدور بيان رئاسي عن مجلس الأمن رحب بإجماع الأعضاء بانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، لكنه دعا اللبنانيين الى تشكيل «حكومة وحدة» سريعاً وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، والتزام «سياسة النأي بالنفس وإعلان بعبدا». كما شدد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في تقريره الأخير حول تطبيق القرار ١٥٥٩ على ضرورة اتخاذ السلطات اللبنانية السياسية والعسكرية «جميع التدابير لمنع حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى من الحصول على أسلحة أو بناء قدرات شبه عسكرية خارج نطاق الدولة».

وأكد مجلس الأمن في البيان الرئاسي أمس أنه يدعم سيادة لبنان واستقلاله السياسي «عملاً بقرارات مجلس الأمن ١٧٠١ و١٦٨٠ و١٥٥٩».

وحض المجلس «الرئيس الجديد للبنان والقادة اللبنانيين على البناء على جهودهم ومواصلة العمل البناء لتعزيز استقرار البلاد، ومن خلال تشكيل حكومة سريعاً».

ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن اليوم الأربعاء جلسة مخصصة للبحث في الوضع في لبنان يتوقع أن يستمع فيها الى إحاطة فيها وكيل الأمين العام للشؤون السياسية جيفري فلتمان، لإيجاز أعضاء المجلس حول تطبيق القرار ١٥٥٩. وأكد بان أن مشاركة لبنانيين في النزاع في سورية «انتهاك لسياسة النأي وإعلان بعبدا، وتعرض أمن لبنان واستقراره لتهديد خطير».

كما أعرب عن القلق من استمرار تهديد الإرهاب للبنان خصوصاً من تنظيم «داعش» وجبهة «النصرة». ودعا الى مواصلة دعم الجيش اللبناني.