إدريس الدريس

اقتصر دور سفاراتنا طوال العقود الماضية على قيامها بدور مكاتب استقدام للعمالة ومنح الرخص للعمرة والحج ومتابعة شؤون الطلاب المبتعثين، لكنها تكاد تكون غائبة عن المجتمعات التي تقيم فيها

دعوني بداية أسألكم أعزائي القراء: هل تتوقعون أننا كخليجيين حاضرون عالميا، سواء على الصعيد الشعبي أو الإعلامي؟ 
‏إذًا دعوني أروي لكم بعض الوقائع التي قد تجيب ضمنيا على هذا السؤال، والتي من المؤكد أن كل خليجي قد مر بها وهو يستقل التاكسي من أي مطار أميركي أو أوروبي، وذلك عندما يداهمه السائق بالسؤال التقليدي Where are you from ?
(أنت من أي بلد؟)، ومنذ أن ترد بأنك من الخليج، سواء كنت من السعودية أو الإمارات أو الكويت أو قطر إلى آخره، فإن السائق سيرد على الفور، ooh!!! to much oil أوه بترول كثير! ونفس الوضع يتكرر في جهة أخرى فها أنت تستقل التاكسي في إحدى مدن شرق آسيا ويسألك سائق السيارة عن بلدك وعندما تخبره فإنه ‏سيكرر نفس الانطباع oh very nice too much money أوووه أموال كثيرة، لكنك أيضا ستكتشف أن هذا الانطباع ليس مقتصرا على الغرب والشرق، بل هو موجود ومتكرس في بعض العواصم العربية.
حضرتك من فين إن شاء الله؟
- من السعودية 
- ما شاء الله فلوس متلتلة.
إذًا كل هذه الانطباعات المرسومة عن الخليجي تجيبك عن نوع وحجم وأهمية حضورنا العالمي، وهو أننا مجرد كيس مليء بالدولارات.
إن الصورة الذهنية والشائعة التي رسمت عن المواطن الخليجي في الإعلام الدولي هي صورة سلبية غالبا، وذلك بسبب النفط، فمثلما أن النفط جاء ليكون نعمة على المنطقة وأهلها، إلا أنه أحيانا شكّل نقمة عليها في نفس الوقت، إما من منطلق الطمع والحسد أو من خلال تضخيم الصورة النمطية السلبية عن الخليجي في الإعلام الدولي، خاصة في مطبوعات الإثارة وصحف التابلويد، ولهذا يتم دائما تضخيم بعض السلوكيات المارقة والخاطئة لبعض أهل المنطقة الذين يسيحون في المدن الأوروبية والأميركية ويسرفون في المظهرة أو ما اصطلح مؤخرا على تسميته بالهياط من خلال تكديس السيارات الفارهة أمام المعالم المشهورة مثل الهارودز في لندن أو أمام مقاهي الشانزليزيه في باريس، بما يجعلهم صيدا ثمينا للصحفيين ومصوري الباباراتزي، وكلنا شاهدنا كيف تتكرس في الصحف والمجلات الدولية منذ سنين الصورة الكرتونية للعربي الخليجي وهو يجلس غالبا مقابل خيمته فوق كثيب رملي ‏ويتوسد برميلا نفطيا وإلى جانبه عدد من الجواري الحسان.
لكن مع ذلك فقد تميزت الفروقات البينية والبنيوية بين ما كان وما هو كائن من أحوال الدول الخليجية التي استطاعت أن تستثمر هذا البرميل الأسود في تبييض وجه هذا البدوي الأسمر، والجيد في الأمر هو أن النظرة الاستعلائية ربما كانت هي الحافز الذي دفع دول المنطقة للالتفات إلى التنمية، لكن هذا الثناء الذاتي لا يجب أن يلهينا عن أوجه القصور عندنا، ومن ذلك فشلنا في تقييم أنفسنا للآخر في إزالة الغبش الذي طال صورتنا وسمعتنا، وهذا يقودني إلى السبب الآخر لحضورنا السلبي في الإعلام الدولي، وهو عجزنا عن التخلص والتطهر من تهمة الانغلاق والتطرف التي كرستها تنظيمات مشبوهة مثل القاعدة سابقا وداعش لاحقا، هذا برغم أن المملكة وبعض دول الخليج هي من أكثر المتضررين من أعمال الإرهاب، لكننا مع ذلك لم ننجح في إقناع العالم أن لا علاقة لنا بهذه الميليشيات، وأننا ‏ضحايا لأعمالها.
ولو حصرت كلامي في المملكة العربية السعودية لأنني بها أخبر لقلت إن المملكة قد عجزت حتى الآن عن استثمار سفاراتها الخارجية لخلق مجموعة ضغط أو تواصل اجتماعي أو اقتصادي وثقافي وإعلامي بما يمكنها من التأثير على قرارات الدول المستهدفة، وخلق دعم شعبي ومناصر من الرأي العام، فليس لدينا خطط ممنهجة في هذا الاتجاه، وكل ما يحدث إنما هو نتيجة محاولات فردية واجتهادات شخصية من حائط الصد لدينا، وأعني الأستاذ ‏عادل الجبير. 
لقد اقتصر دور سفاراتنا الخارجية طوال العقود الماضية على قيامها بدور مكاتب استقدام للعمالة الرخيصة، ومنح الرخص للعمرة والحج، ومتابعة شؤون الطلاب المبتعثين، لكنها تكاد تكون غائبة عن المجتمعات التي تقيم فيها إلا من حضور رمزي ربما في احتفال اليوم الوطني فقط.
ولا شك أن على سفارات المملكة والخليج أن تؤنس حضورها الشعبي، وتحسن السمعة الخليجية من خلال تكثيف المشاركات الإنسانية والوجدانية والثقافية في الفعاليات الاجتماعية، ومحاولة خلق انطباع إيجابي وإنساني لدى أهل تلك البلاد عن أهل منطقتنا، وعدم ‏حصر قيمتنا ووزننا من خلال حشرنا داخل هذا البرميل الأسود، ويجب أن يعرف العالم وزننا التراثي، وأننا امتداد لخريطة تاريخية عريقة.
نعم نحن لا نسلط الضوء بما يكفي على آثارنا في مدائن صالح والفاو وحضارة دلمون على الساحل الشرقي وفي الشمال والجنوب وحفريات اللغات في صخور الجزيرة العربية. وذلك حتى لا يحسبنا العالم الغربي نبتة فطر طارئة سقاها البترول.
إن الملامة على حضورنا الضعيف هو انعكاس لقصور دورنا الإعلامي والدبلوماسي والذي يدور في محيط شديد التمركز ومقيد الحركة، معتمدا غالبا على ما يرده من توجيهات المركز بما يؤكد أن الأطراف -وأعني سفاراتنا الخارجية- قد لا تمتلك حريتها في الحركة.
وعلينا أن نعترف بأن بعض سفاراتنا لم تكن معنية بالرد أو توضيح ما ينشر أو يذاع من تقارير مغلوطة، بحجة أن ذلك النشر هو من باب ممارسة الابتزاز وأن حقه الإهمال والتطنيش، لكن الواضح أن حسن النية يبدو ظاهرا في ردات فعل سفاراتنا حول ما يحاك ضدنا من أباطيل، وهذا بلا شك قد ترك أثره السلبي لأعوام على صورة منطقتنا الخليجية، وأعود لأؤكد أننا مدعوون للمبادرة والتواصل مع الجمعيات الأهلية والمراكز الثقافية والعلمية في تلك الدول والمشاركة في المناشط الشعبية، إضافة إلى توجيه الدعوات لنخب المثقفين والإعلاميين، سواء من نجوم الإعلام التقليدي أو الوسائط الحديثة، لزيارة المملكة، ونحن نعلم جميعا أن زيارة المملكة العربية السعودية دونها خرط القتاد كما يقال، وهذا تشدد لا يليق ولا ينبغي لأي دولة تريد للآخر أن يعرفها وأن يتلمس واقعها بنفسه، إن كثيرا من سوء الفهم الذي يطال سمعة المملكة هو بسبب شروطها وقوانينها الصارمة تجاه الانفتاح على الآخر.
نحن مرة أخرى لا نحسن تقديم أنفسنا للآخر وعلى العكس من ذلك نجد دولة مثل إيران رغم كل معايبها وسوءاتها تسجل لنفسها حضورا طاغيا في أوروبا وأميركا، وذلك بالطبع بسبب النشاط الدؤوب لسفاراتها ولإعلامها وللمهاجرين من أبنائها، وهذه المكانة لم تأت عفو الخاطر، لكنها نتيجة تخطيط إيراني متعمق خلال السنوات الماضية، بحيث استطاعت خلق مجموعات ضغط سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية بما أسهم في التأثير على قرارات هذه الدول الرسمية والشعبية، وأبرز دليل على ذلك هو نجاحها في تمرير وتسويق صفقة الاتفاق النووي، وهذا كله بسبب أن اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة الأميركية يأتي في الدرجة الثانية كأكبر الجماعات الضاغطة تأثيرا بعد اللوبي اليهودي.
واللافت أن أعضاء اللوبي الإيراني يتسربون تباعا للعمل في منصات اتخاذ القرار.
الخلاصة أن الحضور الخليجي في الإعلام الدولي يحتاج إلى رؤية منسقة بين دول المنطقة، حيث ما زال يتحرك ببطء لا يليق والمرحلة ولهذا يجب: 
- العمل على استثمار وجود الطلاب الدارسين وإدخالهم في ورشة العمل على تحسين الصورة الخليجية.
- العمل على التعريف بخطر إيران وأعمالها التخريبية.
- ربط مصالح هذه الدول الاقتصادية بصداقاتها لدولنا ومصالحنا.
- السعي إلى اختراق الإعلام الأميركي والأوروبي، وكذلك توظيف نجوم الوسائط الحديثة لرسم الانطباع الإيجابي شعبيا.