الياس الديري

موَّال الرئاسة غنّاه مجلس النوّاب بأعذب الألحان، ونام نصف اللبنانيّين وهم غير مصدِّقين أن الفراغ المزمن ملأه الجنرال ميشال عون باستحقاق هذه المرة، كما ملأ قصر بعبدا حركة، وفرحاً غابا عنه ثلاثين شهراً وأكثر.
الآن، جاء دور الحكومة الأولى في العهد الجديد، تكليفاً وتأليفاً. وبما أن تكليف الرئيس سعد الحريري أصبح مسألة ساعات، فقد انصرف الناس الى حكاية التأليف والمدة التي ستنام خلالها على زند الحريري قبل الانتقال مع الطبل والزمر والزهور الى السرايا... وطلّي وشوفي عريسنا.


كان عهد الرئيس ميشال سليمان يستعدُّ لتحضير حقائب الانتقال من القصر الرئاسي الى فيلّا عمشيت حين كلَّف تمّام سلام تأليف "الحكومة الانتقاليَّة"، والمقدَّرة مدَّتها مهما طالت بأسابيع لا بأشهر وسنين. إلا أن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، مما اضطر سلام الى استئجار شقّة مفروشة قريبة من دارة المصيطبة ليقيم فيها أيّوب ويبقى جالساً نائماً في جواره، يلجأ إليه في محنه وصدماته، مستعيناً بتجاربه.
ثم كان ما كان وصار ما صار، وما لا يزال بعض الناس يفركون أعينهم ويسألون مَنْ هم حولهم: هل صحيح أن الجنرال صار رئيساً للجمهوريَّة؟
أما بالنسبة الى سعد الحريري، فإن الرئيس ميشال عون لا يزال في الساعات الأولى من انتقاله الى القصر الذي طالما يوجّه النظر صوبه، مكتفياً بتنهيدة ووعد. وخصوصاً عندما تعود به الذاكرة الى أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات.
من البديهي، إذاً، أن يكون مستعجلاً في انطلاق عهده في اتجاه المهمات الأساسيَّة والملحَّة، والتي يُعتبر تأليف حكومة العهد الأولى من أبرزها. وعلى أساس سيري فعين الله ترعاك.


التكليف أصبح من تحصيل الحاصل، ولا تحتاج تفاصيله الى أكثر من ساعات. لكن الكلام، والأبحاث، والمناقشات، والأسئلة، تصبّ جميعها في خانات متعددة: الوزارات التي تبيض ذهباً، وزارات الخدمات التي بدورها لا تبخلُ لجهة الفضَّة. وزارات أخرى يجدها البعض الأهم والأجدر والأجدى.


في كل حال لا تزال أمامنا خطوات لا بدَّ منها، وقد يزداد تعرّفنا الى ما عند الرئيس عون خلال استشارات التكليف، ثم استشارات التأليف، فاستشارات توزيع الحقائب، والحرص على إرضاء مَنْ لا يجوز إغضابهم من أول الطريق.
المهم هنا، وبعدما طوينا صفحة الفراغ الرئاسي، تركيز الاهتمام بجديَّة تامة على المسألة الحكوميَّة من كل جوانبها. فمن يضمن ألا يكون هناك مَنْ لا يزال يحنُّ الى فترات مماثلة لتلك التي أمضاها تمّام سلام وهو يترع كؤوس الصبر تباعاً؟
صحيح أن القيادات والمرجعيَّات المؤثِّرة قد تطالب بما يشبه لبن العصفور، إلا أن وفرة الوزارات المجدية كفيلة بإرضاء الجميع. وسعد الحريري خيّالها.