راسم المدهون

يكاد التلفزيون أن يكون الناخب الأهم وصاحب الكلمة الفصل في الصراع بين مرشحَي انتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترامب وهيلاري كلينتون.

الاتهامات مادة للتراشق عبر الشاشة الصغيرة، لكن الأهم والمؤثر أكثر ما يتم «تســريبه» بين يوم وآخر من فضائح تطاول أحد المرشحين، تكون أشبه بلكمة في مباراة ملاكمة يسعى الطرفان الى أن تحسم نتيجتها بالنقاط بعد أن أصبح مؤكداً أن لا أحد منهما قادراً على الفوز بالضربة القاضية.

تلك «التسريبات» – اللكمات لا ينطلي على عاقل أنها تصدر من جهات إعلامية وحسب، لكنها من معسكر المرشحين الذين يديرون من وراء الستار خيوط اللعبة وما فيها من صراعات قليلها مبدئي وغالبيتها لا علاقة لها بالمبادئ بل هي أقرب الى ضربات تحت الحزام لا يهتم أصحابها ببطاقات اعتراض من الحكم قدر اهتمامهم بأن تحقق وهناً في عضلات الخصم وقدرته على البقاء واقفاً بكامل لياقته.

في أحد مقالاته قال الكاتب الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل أن قائد الثورة الشيوعية في روسيا لو كان يمتلك تلفزيوناً لما احتاج الى الحزب. هي إشارة مجازية قصد هيكل من خلالها الإشارة الى قوة التلفزيون الطاغية في الصراعات السياسية والأحداث الكبرى التي تشهدها مناطق عدة من عالمنا اليوم. مع ذلك فالتلفزيون في الحالة الانتخابية الأميركية يبدو وقد امتلك الدور الحاسم فهو، مع ملحقاته وتوابعه من مواقع التواصل الاجتماعي، يستطيع بأشكال وأساليب بالغة الحداثة صناعة الرأي العام وتوجيهه وتحديد خياراته خصوصاً في الأيام الأخيرة من موعد الانتخابات.

الأيام الأخيرة من الحملات الانتخابية لكلينتون وترامب هي أيام تلفزيونية محمومة يكرسها المعسكران الجمهوري والديموقراطي للتنقيب عن أية شاردة يمكن أن تنال من الخصم وتتكفل بإفقاده نقاطاً في استطلاعات الرأي، تمهيداً لأن تكون خسارة في الانتخابات الفعلية بعد ذلك.

في حمَى صراع كهذا لا يهتم أصحاب التسريبات بأن تكون تسريباتهم حقيقية تماماً فهم يراهنون على إثارة البلبلة في معسكر الخصم حتى لو تبين بعد إجراء الانتخابات انها عارية عن الصحة فذلك سيكون بعد فوات الأوان.

هو التلفزيون مالئ الدنيا وشاغل الناس، وهو اليوم الذي يقرر مصير هذا المرشح أو ذلك في أن يكون رئيساً أو أن يكون مجرَد مرشح خاض الصراع الانتخابي وعاد الى رفوف النسيان.