سمير عطا الله

عام 1978 مّر الزعيم الصيني الجديد دنغ كسياو بنغ في زيارة قصيرة إلى سنغافورة والتقى رئيسها التاريخي لي كوان يو. وبعد مصافحة بين الرجلين قال دنغ لمضيفه ضاحًكا: «ماذا فعلتم بمستنقع البعوض»؟ هكذا كانت قد عرفت سنغافورة في العشرينات من القرن الماضي. وفي غريزة الزعيم التاريخي، لم يتوقف دنغ عند المزاح، بل شعر أن في إمكان مضيفه أن يساعده في انتشال الصين الكبرى من مستنقعاتها.

بدأت بين الاثنين علاقة غيرت وجه الصين، وربما وجه العالم. لم يشعر حاكم المليار بشري بأي حرج وهو يطلب مشورة زعيم الدولة الصغيرة. لم يكتِف السنغافوري بإعطاء المشورة الاقتصادية المذهلة، بل أقنع زعيم العرق الصيني في العالم، بأنه من الممكن أيًضا الحفاظ على النظام السياسي مع القليل جًدا من مظاهر الديمقراطية.

حتى اليوم، لا يزال الرئيس الصيني هو أيًضا زعيم الحزب الشيوعي. وقد تراه واقًفا إلى جانب الملكة إليزابيث، أو مرحًبا في بكين بزعامات العالم الصناعي. وهذا العام سّجلت الصين أول تراجع في النمو منذ ذلك الاجتماع الذي تم بين دنغ وكوان يو. لم تكن المسألة مسألة مصادفة قدرية فحسب، بل اقتضى اكتمالها وجود رجلين من النوع الذي كلما نزل إلى مكتبه، زادُلبنة جديدة في صناعة التاريخ.

دائًما أتساءل مثل الأطفال الصغار، كيف يمكن لرجل أن يدير شؤون شعب يزيد عدده على المليار بشري؟. ولعل الكبار والعارفين والعلماء يطرحون على أنفسهم السؤال نفسه. فما من مخيلة تستطيع إدراك عمل ذلك النظام الذي ينام فيه مليار و200 مليون بشري، يفيقون في اليوم التالي من دون أن تختل حركة الأرض. من أجل أن يحكم الصين، أرسل ماو نحو 60 مليوًنا من مواطنيه إلى الموت. لكن ذلك اللقاء في سنغافورة عام 1978 أقنع خلفه بأن الأسهل على الحاكم هو إرسال الناس كل يوم إلى الحياة.

لا نعرف الكثير عن الصينيين باستثناء الأعلام منهم. فما زال عالمهم بعيًدا ومجهولاً ومعقًدا. وما زالت أسماء الكبار فيها صعبة الحفظ. والصيني مثل الياباني، مثل جميع الآسيويين، يخفي عالمه خلف ابتسامة لا تُفصح غالًبا عن أي شيء. وقدُنقل عن أحد العّرافين اليونانيين أخيًرا، أن الصين سوف تزحف إلى الشرق وتحتله بقوة قوامها 200 مليون جندي. يبدو أن العّراف في حاجة إلى الاطلاع على مبادئ النقل والتموين قبل التكّهن بمصائر الكون. فلم يحسب لحظة أي حساب للبواخر والشاحنات والطائرات والقطارات التي يمكنها أن تنقل 200 مليون جندي مع أسلحتهم، وطعامهم، ومع تحيات الشعب الصيني.