المصريون يشيعون الجنيه لمثواه الأخير وتحرير سعر الصرف الطلقة الأخيرة في سلاح الدولة الاقتصادي

حسام عبد البصير

 الجمعة 4 نوفمبر/تشرين الثاني كان يوماً تاريخياً في حياة المصريين وسيبقى في الأذهان طويلاً، حيث شيعت الجماهير عملتها الوطنية لمثواها الأخير، على إثر فقدها قرابة نصف قيمتها رسمياً، وهو الأمر الذي سيسفر بشهادة السواد الأعظم من الاقتصاديين لموجة غلاء تأخذ في طريقها الأغلبية الفقيرة.

وفي سبيل أن تتم المهمة بدون قلاقل شعبية واسعة استعانت السلطة بكتائبها الإعلامية في الفضائيات والصحف من أجل أن يقنعوا الرأي العام بأن ما يؤخذ من إجراءات غير مسبوقة، الهدف منها الحيلولة دون إفلاس مصر وسقوطها. وفي سبيل أن تقتنع الأغلبية بوجهة نظر السلطة كانت الأدوار معدة سلفاً لمذيعي الفضائيات والضيوف الذين تم استدعاؤهم، فمن مستوحي للمأساة السورية بكل تفاصيلها وتوجيه الحمد للنظام لأنه حال بين البلاد والسقوط في السيناريو نفسه. ومن مذكّر بالملهاة العراقية والمخاوف التي تعتري السلطة من «أهل الشر» وتداعيات حروب الجيل الرابع التي لا مكان لها سوى في أذهان من أطلقوها. ومن محذر من عواقب الخروج على قانون منع التظاهر واستدعاء الذكريات المؤلمة لحالة الفراغ الأمني التي عاشتها البلاد وهي تسعى للخلاص من ديكتاتورها المستبد مبارك قبل ستة أعوام. 
كل مذيع وكاتب سعى بالأمس لأن يجري عمليات غسيل أدمغة للجماهير التي باتت تعيش متاهة بين فريقين، نخبة تقتات من رضا السلطة عنها، وفريق يسعى للوقوف على الحياد محذراً من كوارث القضاء على سيادة العملة الوطنية، غير أن الكارثة الأكبر التي تلقاها المصريون بعد ساعات من الإجراء التاريخي لتحرير الجنيه تمثل في رفع أسعار المحروقات بنحو الثلث، وهو الأمر الذي يفتح الأبواب أمام جنون شامل لأسعار السلع كافة، وهو ما حذر منه أحمد يحيى، رئيس شعبة المواد الغذائية في اتحاد الغرف التجارية، الذي أكد أنه بعد رفع أسعار الوقود فمختلف السلع سترتفع أسعارها للضعف وإلى التفاصيل:

مأساة أم نجاة؟

في خطوة انتظرها الاقتصاد المصري طويلاً، قرر البنك المركزي الخميس، تحرير صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية، لينهي شهوراً من الترقب والجدل، وحسب «المصري اليوم» قرر ترك تحديد السعر لآليات العرض والطلب، في إطار مجموعة «إجراءات صعبة» لتصحيح سياسة تداول النقد الأجنبي والقضاء على السوق السوداء. وأكد البنك في بيان، أن قرار التعويم يتضمن إطلاق الحرية للبنوك في تسعير النقد الأجنبي، من خلال آلية «إنتربنك»، ورفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة الواحدة بواقع 300 نقطة أساس، ليصل إلى 14.75٪، و15.75٪ على التوالي. 
وسمح البنك للبنوك العاملة في السوق المحلية بفتح فروعها حتى الساعة 9 مساء، وأيام العطلات الأسبوعية، لتنفيذ عمليات شراء وبيع العملة وصرف حوالات المصريين العاملين في الخارج، مؤكداً أنه لا شروط للتنازل عن العملات الأجنبية ولا قيود على الإيداع والسحب، وأنه يضمن أموال المودعين. ودعا جميع المتعاملين في السوق إلى التعاون لإنجاح المنظومة، بما فيها الصالح العام للاقتصاد المصري، بحيث يتم الالتزام التام بالتعامل في النقد الأجنبي من خلال القنوات الرسمية وبالأسعار المعلنة، مع الأخذ في الاعتبار أن الاتجار في النقد الأجنبي خارج القنوات الشرعية أمر يجرمه القانون وسادت حالة من الارتباك في أسواق بيع وشراء الدولار في البنوك وشركات الصرافة».

انتهى المفعول

هذه الحدوتة التي يرويها فيلم «أرض النفاق» للأديب يوسف السباعي وبطولة فؤاد المهندس عن حبوب يتناولها الإنسان فتجعله أميناً، وأخرى تجعله قوياً، يستعين بها محمود خليل في «الوطن»: «تسليط الضوء على هذا الصنف من الحكام والمسؤولين الذين لا يملكون سوى الكلام وغير قادرين على صنع إنجازات حقيقية يمكن أن تكون مفيدة لكل من يصور لنفسه أن بمقدوره إيهام الناس بحل المشكلات، من خلال فبركة أحداث أو قصص وروايات، أو مجرد ترديد أقوال وإشاعات، وترجيح التصريحات والثرثرات اللفظية على القرارات. حل أي مشكلة يفرض على صاحبها التعامل مع الحقائق التي أدت إليها على أرض الواقع، وليس بمجرد إطلاق الكلمات عن أنها حلت، فارق كبير بين الواقع والإيحاء. من الممكن للإنسان أن يعيش الخيال للحظات، لكن هذه اللحظات لن تطول بحال من الأحوال، لأنه سرعان ما يجد نفسه مستسلماً لحقائق الواقع، ليكتشف أن الوقت الذي عاشه في إطلاق الخيالات والإيحاءات بأن المشاكل حلت، كان أولى به أن يستثمره في العلاج الواقعي للمشكلة. من يلعبون مع الناس لعبة التخييل أو الإيهام، شأنهم شأن من يلعب معهم لعبة خلعهم من الحاضر إلى خزائن التاريخ، ليمنحهم لحظات تأمل لهذا النوع من العدل المثالي، وذلك الصنف من الرحمة الإنسانية العلوية، وذلك الإحساس بالتضحية المقدسة».

رفع الدعم عن الوقود

«بعد شد وجذب أعلن أمس البنك المركزي المسؤول عن السياسة النقدية، تعويماً موجهاً للجنيه أمام العملات الأجنبية، وعلى رأسها الدولار الأمريكي، في محاولة أخيرة لانتزاع الدولار من أنياب حيتان المضاربات وتجار السوق السوداء، بعد أن نجحوا في احتكار العملة الأمريكية داخل مصر. وقرار «التعويم الموجه» يعني ببساطة، كما يشير ياسر مشالي في «الوطن» تحديد سعر عادل للعملة المحلية ثم تركه لآلية العرض والطلب، ليتحرك صعوداً وهبوطاً داخل هامش نسبة مئوية حددها البنك المركزي المصري في قراره بـ10٪، ليتراوح سعر الدولار في البنوك بين 13 و14 جنيهاً، وهو ما يقضي بشكل كبير على السوق السوداء للدولار، ويجلب كميات ضخمة من الدولارات إلى البنوك، بعيداً عن تجار العملة، سواء الخاصة بالمصريين في الداخل أو بتحويلات العاملين في الخارج، وهذه هي الميزة الكبرى للتعويم، بالإضافة إلى إنعاش الصادرات المصرية مستقبلاً بعد انخفاض قيمة الجنيه رسمياً بنسبة تقترب من 48٪. أما مخاطر التعويم فأهمها زيادة معدلات التضخم وأسعار السلع المستوردة مع تآكل القوة الشرائية للجنيه، وهذا هو ما يهم المواطن المصري في الأول والآخر، ما يعني تعرضه لضرر بالغ، كان يتعرض له بشكل غير رسمي قبل التعويم، فأصبح الآن ضرراً «مقنناً»، لكنه سيكون مؤقتاً، لو أن الحكومة تمهلت وأجَّلت قراراتها الصعبة التي تردد أنها تأتي ضمن حزمة اشتراطات صندوق النقد الدولي، ومنها رفع الدعم عن الوقود، وهو سلعة خطيرة تأثيرها يمتد ليشمل كل السلع بسبب تحميل فاتورة زيادة سعر الشحن والنقل على المستهلكين».

قرار غبي

وينتقد جمال سلطان رئيس تحرير «المصريون» الخطوة لأنها تمت على هذا النحو المفاجئ: «خروج قرار تحرير سعر الجنيه كان بطريقة خاطئة تماما وغشيمة، حيث أطلقت حالة مصطنعة من الفزع الشديد خلال يومين لدفع الناس إلى بيع ما لديهم من دولارات بحالة هلع وهستيريا منسقة، شاركت فيها جهات لا تخفى على المتابع وبث أخبار كاذبة عن انهيار الدولار، وأن قيادات بنكية تقدر أنه سيصل إلى ستة جنيهات، حتى تراجع الدولار في السوق الموازية إلى سعر الأربعة عشر جنيها تقريبا، وفي صباح اليوم التالي يصدر القرار بتخفيض الجنيه نفسه لقرابة 50٪ والإعلان عن تحرير سعر الصرف، وهو ما يجعل الجميع على يقين، لم يعد شكا، بأن ما حدث خلال اليومين الماضيين كان «لعبة» مفتعلة لصناعة وهم أقرب إلى خداع وابتزاز مالكي الدولارات، وأن هذه الخطة كانت تمهيدا لتحرير سعر الصرف، وهذا أسلوب «أمني» وليس اقتصاديا، ولا يدعم الثقة في السياسات المالية ويعزز من مخاوف الناس من أنهم أمام «ألاعيب» وتقلبات لا تبعث على الاطمئنان، وكل ذلك يضاعف من سلبيات خطوة تحرير سعر الصرف، ويجعل قطاعا واسعا من الناس يقولون، دعنا ننتظر نهاية «اللعبة»، وهذا هو السيئ في الموضوع. ويرى سلطان أن أخطر ما في قرار تحرير سعر الصرف أنه الطلقة الأخيرة في سلاح الدولة الاقتصادي، فإذا فشل في إصابة هدفه فسنكون على أبواب المجهول، ويمكن أن يتهاوى الجنيه إلى مراحل خطيرة على النحو الذي حدث سابقا للجنيه السوداني وغيره».

نسير على الطريق

أولئك الذين يروجون لتردي الأوضاع الآن أكثر من زمن المخلوع مبارك يتجاهلون حقائق يضع رئيس تحرير «الأهرام» محمد عبد الهادي علام يده على بعضها: «روشتة الإصلاح في مصر تقترب من تحديد أبعاد الصورة الكاملة لإصلاح الموقف الاقتصادي والمالي في البلاد، بعد شهور من التشخيص والتوصيف وطرح البدائل لمواجهة ما نحن فيه من أوضاع مختلة. قامت القيادة السياسية على مدى شهور، أيضا، بمصارحة الشعب بحقائق الحالة الاقتصادية بكل شفافية، وبعيدا عن مسكنات الماضي وهو ما لم يرق للبعض، فراحوا يكيلون الاتهامات بالفشل وعدم القدرة على الحسم وغياب الرؤية، بينما في واقع الأمر لم يبصر هؤلاء حقيقة أن مصر لم تكن أسعد حالا عندما خرج شعبها يهتف «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» في يوم الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني قبل أكثر من خمس سنوات.
أزمات مصر ليست وليدة اليوم، وليس من المنطقي أن يخرج إعلاميون ويقولون إن الوضع قبل يوم 24 يناير/كانون الثاني 2011 كان أفضل من اليوم بكثير، حيث تمتد أسباب وجذور الأزمات إلى عقود طويلة من التخاذل في المواجهة، ثم أضافت لها السنوات الخمس الأخيرة أبعادا أخرى نتيجة عوامل عدة، منها تزايد الإرهاب والعنف وانعاكسه على الوضع الأمني. ومن ثم أثر ما سبق على صورة مصر في العالم الخارجي، وبعدها تدهورت حركة السياحة وانخفضت عائدات قناة السويس، ثم زادت الأعباء في الموازنة العامة للدولة نتيجة زيادة بنود الأجور والمرتبات تحت ضغط المطالب الفئوية، بينما تراجعت الصادرات المصرية وارتفعت حركة الواردات وتكلفة السلع الأساسية».

مغضوب عليه

لا أحد هذه الأيام بين المصريين إلا وشغله الشاغل الأزمة الاقتصادية، وهو الامر الذي دفع بصالح مدني في «التحرير» للهجوم على الحكومة والدولار الذي أصبح مغضوبا عليه: «أصبح الدولار شماعة الحكومة التي تعلق عليها فشلها في كل شيء، فارتفاع أسعار السلع ترجعه إلى ارتفاع سعر الدولار وعدم تشجيع الصادرات بسبب قلة الدولار، وزيادة الواردات للسلع الاستفزازية والعيب في الدولار. هذا الدولار هو البعبع والعفريت الذي كانوا زمان يخيفون به الأطفال، أما الآن فالدولار أصبح يرعب المستثمرين، وعندما تنخفض تحويلات المصريين في الخارج يقولون إنهم يبيعون الدولار لتجار العملة في دول الخليج بأسعار مرتفعة، بينما يتوحش أصحاب شركات الصرافة في مصر، ليصبح الدولار في السوق السوداء، بعد أن أصبح سلعة تباع وتشترى، لدرجة أن المواطنين قاموا بشراء حفنة من الدولارات ووضعوها في حصالات الأطفال، منتظرين اليوم الذي يصبح فيه الدولار بعشرين جنيها فيقومون ببيعه بهدف الثراء السريع، وأصبحت الحكومة مكتوفة الأيدي بسبب عدم ثبات سعر صرف الدولار، فهو في البنك المركزي لا يزيد على تسعة جنيهات، وفي السوق الموازية وصل إلى 18 جنيها، أي تضاعف بنسبة 100٪، وبالتالي امتنع المستثمرون المصريون والأجانب عن الاستثمار في مصر».

الله يرحمه

رثاء أحوال الفقراء بعد تردي أوضاع عملتهم الوطنية يتوالى، وها هي «الشعب» تسجل شهادة أحد معارضي النظام، حيث قال الدكتور حازم حسني الأستاذ في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية معلقًا على قرار البنك المركزي اليوم بتحرير سعر الصرف، ومازال مسلسل نهب مدخرات المصريين مستمرا. أكد حسني: «أن ما جرى هو اتفاق غير أخلاقي بين الحكومة ومنظمات الأعمال لتجريد المصريين من بعض ما تبقى من مدخراتهم، وكله عشان مصر. تحياتي للسذج الذين لم يفهموا ما أصاب الجنيه والدولار خلال اليومين الماضيين. أحمد موسى أعلن أن الدولار وصل لـ 10 جنيهات، والكتائب اشتغلت على اللي عنده دولار يلحق يبيعه قبل ما ينخفض أكثر، لكن البنك المركزي «صحا على غيار الريق» وقال لنا، إن سعر بيع الدولار في البنوك أصبح 13.50 جنيه، يعني الجنيه فقد – رسمياً – أكثر من نصف قيمته مسافة سواد الليل.. وده سعر الدولار الرسمي عند افتتاح التعويم، وفي ظل اتفاق غير أخلاقي تم بين الحكومة ومنظمات الأعمال لتجريد المصريين من بعض ما تبقى من مدخراتهم، وكله عشان مصر زي ما احنا عارفين، أحسن إخواننا المدافعين بحرارة عن النظام وسياساته يكونوا فاكرين إننا مش بنحب مصر. الطريف في الموضوع أن رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب في حملة دعوة المصريين للتخلص مما قد يكون بحوزتهم من الدولارات، مبدياً ارتياحه لقدرة البنك المركزي على إدارة التعويم بعد أن وصل الاحتياطي إلى 25 مليار دولار. آخر معلوماتنا أن الاحتياطى كان وصل 19 مليارا، حد عارف الـ 6 مليار الفرق دول جُم منين؟ الله يرحم استيفان روستى، كان بيموت في المفاجآت».

ضربة معلم

«سواء كانت ضربة قاضية أم ضربة معلم، أياً كانت التسمية والوصف، فالذي تقوم به الدولة المصرية الآن، حسب رئيس التحرير التنفيذي لـ«الوفد» وجدي زين الدين هو قرار صائب مئة في المئة، كل ذلك بشأن ما حدث خلال اليومين الماضيين من انهيار حقيقي للدولار في السوق السوداء، التي يتحكم فيها أشخاص كارهون للوطن. ولا أكون مبالغاً في الوصف أن هؤلاء الزبانية الذين يريدون ضرب الاقتصاد والحرب على الدولة الجديدة، سواء كانوا إخواناً إرهابيين أو المنتفعين الذين أعمتهم مصالحهم الشخصية عن أي شيء آخر كل ما يريدونه هو تحقيق المكاسب على حساب الوطن والمواطن. ويشيد الكاتب بصاحب الفكر الرشيد الذي يمكن وصفه بالمعلم الذي لقن هؤلاء الجشعين درساً قاسياً. الانهيار المفاجئ الذي حدث لسعر صرف الدولار بعيداً عن البنوك، لم يأت من فراغ أو بطريقة عشوائية، وإنما جاء بخطة محكمة أبرزها هو حصار هؤلاء الخائنين للوطن الذين لا يشغلهم سوى تحقيق أهدافهم ومصالحهم الشخصية على حساب أي شيء هذا الحصار المحكم جعل تجار العملة يتراجعون عن مضارباتهم، ووقف في وجه هؤلاء الذين حولوا العملة إلى سلعة تباع وتشترى. وأوصلوا سعر الدولار إلى رقم مخيف، تحويل العملة إلى سلعة يعد كارثة حقيقية مما تسبب في ارتفاعه بشكل غير طبيعؤ وغير مبرر.. الدولة المصرية تعاملت مع الأمر بذكاء خارق».

خايفين ليه

«إذا كنتم واثقين من طهارتكم ونزاهتكم ووطنيتكم على هذا النحو الذي تزعمونه، فلمَ تخافون من أي حديث صحافي أو تلفزيوني للمستشار هشام جنينة، الذي تم إبعاده كما يشير عمار علي حسن في «المصري اليوم» من منصبه غدرا وغيلة، وهو لم يفعل شيئا في الحقيقة سوى تنفيذ أوامر الرئيس السيسي الذي قال له: حارب الفساد وأنا في ظهرك. إن سياسة المنع والتعتيم لا يقوم بها إلا الضعفاء والأغبياء والمتورطون في فساد أو سرقة أو قتل أو نهب أو فشل، ومع هذا هيهات أن يُحجب شيء، فما قاله جنينة لمعتز الدمرداش ليبث في برنامج «90 دقيقة» على قناة المحور تسرب، بل أعطاه من منعوا بث الحلقة قوة دفع رهيبة، حيث صنعوا له دعاية رهيبة بقرارهم الساذج هذا، وجعلوا مخيلة الناس تذهب في رصد الفساد وتقديره أبعد بكثير مما يقف عنده جنينة. وأشار الكاتب إلى منع الدكتور ممدوح حمزة من عقد ندوة في نقابة الصحافيين لمناقشة جدوى المشروعات الكبرى. بعدها بأيام أصدر كتابا مهما عن الدار المصرية اللبنانية حوى تصورات اقتصادية ومشروعات إنتاجية وصناعية مهمة، قدمها كمقترحات إلى أهل الحكم، وأرسل كثيرا منها إليهم تباعا، مبارك وطنطاوي وعدلي منصور والسيسي. وبعد أن أعلنت دار النشر عن تنظيم ندوة حول الكتاب عادت واعتذرت، وأرجأت الأمر إلى أجل غير مسمى. في الحالتين هناك من تدخل ليمنع حمزة من الكلام، فعلى الأقل هو في كتابه يقدم برهانا ناصعا على أن من يعارضون لديهم تصور بديل، ويوقدون أكثر من شمعة ولا يكتفون بلعن الظلام، وهي صورة لا تريد السلطة أن تحوزها المعارضة، لتبقى في نظر الناس مجموعة ممن لا يجيدون سوى الكلام».

انعدام الرقابة

دولة العسكر كما يطلق عليها محمد العمدة في «الشعب» على مر تاريخها الطويل تقوم بالتحميل على المواطن المصري الغلبان المطحون، من أجل أن ينعم الكبار ممن يدعمون بقاء دولة العسكر الديكتاتورية الفاشية، ولذلك فهي تلجأ لحل أزمات الدولة برفع قيمة الرسوم الحكومية المستحقة على كل عمل حكومي يحتاجه المواطن، فينهبون دخله المحدود في كل مصلحة حكومية يدخل إليها للحصول على هذا المستند أو ذاك، كما ترفع قيمة استهلاك المياه والكهرباء والضرائب والجمارك، وتفرض رسوم جديدة على العاملين في الخارج، وأنواع جديدة من الضرائب، وترفع أسعار مواد الطاقة كالبنزين والسولار وغيره، ومصروفات المدارس والعلاج حتى أوشكت أن تفرض رسوما على الهواء الذي يتنفسه المصريون.وفي المقابل لا تمس بمكتسبات كبار المسؤولين في الدولة، لاسيما من السلطات التي تمتلك أدوات القوة وتوظفها لحساب دولة العسكر مقابل الحفاظ على المناصب والمكاسب، وفقا لأغنية الفنان لطفي بوشناق الذي غني لهم «خدوا المناصب والمكاسب لكن خلوا لي الوطن»، بل تسعى دولة العسكر إلى رفع مميزات الكبار بشكل مستمر لا يتناسب مع ظروف الدولة لكي تحافظ على ولائهم لها ودعمهم لبقائها بكل ما هو جائر من قرارات وأحكام. ومن بين ما يستشهد به العمدة على استيلاء أهل النفوذ على ثروات البلاد غياب الرقابة على الصناديق الخاصة، وهي صناديق تقوم بجمع الأموال بعيدا عن موازنة الدولة وبعيدا عن الرقابة، ويتم استخدام هذه الأموال بمعرفة هذه الوزارة أو تلك المصلحة من أجل ترفيه الكبار دون أدنى رقابة».

أثرياء بلا قلب

أينما وليت وجهك فثمة فقراء تدمي أوضاعهم المأساوية القلوب، لكن فاروق جويدة في «الأهرام» يهتم على نحو خاص بضحايا السيول الذين نستهم الدولة، كما سقطوا من ذاكرة الأثرياء: «أين رجال الأعمال الذين كدسوا الملايين من الدولارات يستنزفون بها دم الشعب الغلبان؟ لماذا لم ينتفض عشرون أو خمسون منهم ويوجهون حملات الإغاثة إلى هذه المناطق المنكوبة؟ إذا كانت الشهامة قد ضلت طريقها فأين الرحمة وهي فريضة واجبة؟ في كل دول العالم التي تقدر شيئا اسمه الإنسانية ترى مواكب المساعدات والمعونات تتجه في لحظات إلى الأماكن المنكوبة تقيم المستشفيات المتنقلة وتنصب الخيام وتقدم الطعام، ونحن على أبواب شتاء قارس. لم أشاهد موكبا من رجال الأعمال وتجار العملة يشق الطريق إلى هذه المناطق وكأننا في وطن آخر.لا أدرى كيف انسحبت الرحمة من قلوب المصريين وحلت مكانها مشاعر موحشة. في زمان مضى كان البيت المصري يقف مع جيرانه في كل شيء وكانت المساجد والكنائس والمدارس تفتح أبوابها لضحايا الأزمات، ولكننا الآن أسرفنا في حب أنفسنا وأصبحت الأنانية أقرب الأشياء إلينا، فلا يرى الإنسان أبعد من قدميه. إن لعنة الانقسام في الشارع المصري أصبحت تهدد الآن كل الثوابت التي عشنا عليها، وفى مقدمتها الرحمة. يتابع جويدة كان شيئا مضحكا أن تشاهد مواكب البؤس على شاشات التلفزيون بينما حفلات الرقص تدور هنا وهناك وبرامج الطهي بكل ما فيها من الولائم تطارد الناس في كل مكان. السؤال الملح كيف حدث هذا الانفصال بين الناس وكيف حدثت هذه الفجوة الاجتماعية الرهيبة بين أبناء الوطن الواحد حتى في المآسي والأزمات».

الصعايدة منسيون

«ما شهده صعيد مصر على مدى الأسبوع الماضي حيث السيول الجارفة لم يكن جديدا عليه، بل سبق أن عانت القرى نفسها وتهدمت البيوت نفسها وغرقت الطرق نفسها بالكيفية ذاتها من قبل. تستدعي ذاكرة نادر بكار في «الشروق» منذ الصغر عبارات عديدة كلها تحوي كلمة (السيول) بصيغ مختلفة، لكن الرابط المشترك بينها كان دائما توقيت وقوع الكارثة. لن تسمع عن (مجرى السيل) وما جرفه (السيل) والسد الذي فشل في احتجاز مياه (السيل) أو الآخر الذي احتوى مياه (السيل) إلا في توقيت واحد. تحديدا بعد أن يجرف السيل كل ما أمامه. وعلى الرغم من أن أزمتنا تحمل الطابع الكارثي لكنها كأي أزمة تحتاج إلى درجات مختلفة من التعامل.. فهناك إجراء يحول دون وقوع الأزمة ابتداء، وآخر يتعلق بمواجهتها لتقليل الخسائر البشرية والمادية قدر الاستطاعة، وثالث يتعلق بمداواة آثارها، إما على التوازي وإما على التوالي مع جهود المواجهة وأخيرا إجراء رابع يتعلق بالتدابير اللازمة للوقاية المستقبلية من آثارها.. من فضلك ساعدني بمعلومة قد تكون وصلتك عن إجراء من هؤلاء، سواء سبق الكارثة أو زامنها أو استبق أخوات منتظرات لها تقدم مع فصل الشتاء الحقيقي؟
البشر مشتركون فيما ينزل بهم من كوارث طبيعية أيا كان التقدم العلمي الذي تتفوق به مجتمعاتهم على نظيراتها.. كلهم معرض لزلزال الأرض أو انهمار ماء السماء، لكنهم قطعا متفاوتون في علاج الآثار وجهود الإنقاذ وتداعى أعضاء المجتمع المعافى بالعمل التطوعي لمواساة أولئك المنكوبين. متفاوتون في تقدير المسؤولية ومحاسبة المقصر والحق أنه لا دور بارزا يلعبه العلم في هذا التفاوت، هي فقط الإنسانية الحقة».
السكر حزين

«أخيراً تجرأت الحكومة، واتخذت قراراً ورغم أن القرار له سلبياته وإيجابياته، إلا أنه كان أفضل من ألا تتخذ الحكومة أي قرار فالحكومة، كما يتهمها عباس الطرابيلي في «الوفد» تفتقد الحسم وفي الوقت المناسب، بل الضروري. وهي كما يتندر الناس بها.. «حكومة بكرة» أي لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، أجله إلى ما بعد الغد، كما قال أوسكار وايلد. وربما الحكومة تقف هنا مع البرلمان، في موقف اللاموقف. وعندنا الناس على دين حكومتهم.. وأيضاً على دين برلمانهم.. فإذا كان البرلمان لا يتحرك دائماً إلا متأخراً.. فإن الحكومة كذلك 100٪ بل الحكومة ـ كثيراً ـ ما تستفيد من الأزمات، فإذا كان سعر السكر عالمياً قد زاد كما قال وزير التمــــوين، فإنها اسـتفادت من نشر أخبار هذه الزيادة، واستفادت أكثر من أزمة اختفاء السكر أو إخفائه، لكي تزيد من السعر، على الجميع. وليس فقط على القادرين بل أيضاً على حاملي بطاقات التموين والحكومة ـ ربما دون أن تدري ـ تسهم في الغلاء، بعدم الاستعداد كما يجب لمواجهة أي أزمة، بل دائماً ما تكون قراراتها متأخرة مما يساعد على ازدهار السوق السوداء، وعلى تصاعد موجات الغلاء وفي كل السلع وأمامنا تجربة أسعار السكر، وقبلها أسعار لبن الأطفال وفي الطريق أزمة البوتاجاز.. بحجة أن الشتاء جاء مبكراً».

تجريس البرادعي

يتعرض نائب رئيس الجمهورية السابق محمد البرادعي لحملة تشويه منظمة من قبل أنصار النظام على إثر بيانه الأخير. من جانبه شن جلال عارف في «الأخبار» هجوما شديدا على البرادعي مؤكداً أنه فقد أي قيمة له بعد أن تخلى عن شعب مصر وهو يخوض معركة مصير ضد إرهاب الإخوان المدعومين من قوى يعرفها جيدا، ولا تستحق بياناته أي اهتمام حقيقي، ويقول ما يطرحه البرادعي لا يستحق النقاش، بعد أن فقد ثقة الشعب من جانب، وبعد أن أجمعت شهادات رفاق هذه المرحلة الصعبة على كشف زيف ما قال وإخفائه للوقائع الحقيقية، بينما استطلعت «المصريون» الآراء حول من يحرك هؤلاء المتطاولين على البرادعي؟ وقال محمد سعد خير الله، منسق «التجمع الحر من أجل الديمقراطية والسلام»، إن خروج «حركة تمرد في هذا التوقيت جاءت بناء على تعليمات من قبل ضباط التشغيل»، واصفًا إياهم بأنهم «مخبرون وعملاء لأجهزة أمنية في مصر تصدر لهم أوامر». 
وأضاف خير الله، مؤسس «الجبهة الشعبية لمناهضة أخونة مصر» في تصريح إلى «المصريون»، أن «القوى المدنية في مصر مخترقة والأغلب والأعم فيها مخبرون، والكل يعرف أن حركة تمرد «طبخت» مشهد 3 يوليو/تموز». وتابع: «ظهروا في مؤتمر الشباب وادعوا كذبًا أن هناك مصالحة للشباب، لكن ذلك كذب وتحريف، ودورهم الآن أن كل بيان يصدر يردون عليه». مستدركًا: «هؤلاء يتم تحريكهم من قبل الأجهزة الأمنية». متفقًا معه في الرأي قال الدكتور أحمد دراج، المحلل السياسي لـ«المصريون»، إن «أبناء تمرد تم استدعاؤهم للرد على البرادعي بأوامر من الجهات المعروفة للجميع ويختفون بعدها». وقال إبراهيم الشيخ، الناشط الثوري، مشيرًا إلى قيادات «تمرد»، إن «هؤلاء يخضعون لسيطرة مؤسسات الدولة وكل تحركاتهم بأوامر».

هل يبحث عن بطولة؟

«هل يبحث البرادعي مجددا عن دور ما في ظل حالة الفراغ السياسي الموجودة في مصر؟ يتساءل حسام مؤنس في «التحرير» هل يراهن على إمكانية اكتساب ثقة قطاعات من الشباب والمجتمع مرة أخرى في ظل الأزمات الطاحنة التي تمر بها مصر؟ هل يرى البرادعي تغييرا ما يلوح في الأفق يبادر بإعادة طرح دور له في إطاره؟ هل لدى البرادعي ما يعلمه أو يراهن عليه دون أن يبدو واضحا لنا؟ وهل لذلك كله علاقة بالحديث عن دعوات مثل 11 نوفمبر/تشرين الثاني أو بتفاهمات أو تسويات تجري في الداخل أو الخارج؟ وهل لهذا علاقة بما يبدو من محاولات انفتاح سياسي نسبي تقوم به السلطة مؤخرا في مواجهة أزمات قائمة أو ترتيبات متوقعة؟ أسئلة كلها لا يمكن الإجابة عنها فورا، وربما تحمل لنا المرحلة المقبلة ملامح إجابات لها، لكن المؤكد أنه في كل الأحوال، وأيًّا كانت مساحات الاتفاق والخلاف، فإنه إذا كان الدكتور البرادعي ساعيًا للبحث عن دور جاد في المرحلة المقبلة أيًّا كان إطاره، فموقعه المناســــب هو هنا في مصر، ونقطة البدء فيه هو مراجعة ما سبق والاعتراف بما فيه من أخطاء وإعادة تصحيح العلاقة مع الشركاء الذين خذلهم من قبل في لحظة حرجة، ما زلنا نعاني من آثارها جميعا.. وإن كان الأفضل والأكثر ملاءمة في رأينا يبقى أن هذا البلد يحتاج إلى نخب جديدة للمرحلة المقبلة، وليس بحاجة لتحمل أعباء الماضي ومواقفه بكل إيجابياتها وسلبياتها».