حسن حنفي
هناك بعض العناصر التي ينشأ فيها التوتر بين الثقافتين الغربية في الشمال والإسلامية في الجنوب على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، والتي تسبب سوء فهم بين الشمال للجنوب. ولما كان الإسلام هو صلب ثقافة الجنوب، ارتبط سوء الفهم به من دون التفرقة بين ما هو من صلب الدين، وما هو ناتج عن الظروف الاجتماعية والسياسية، بين ما هو من جوهر الدين، وما هو من صنع التاريخ. ولعل أهم هذه العناصر:

1- ربط الإسلام بالإرهاب والعنف والعدوان وعدم الاعتراف بالآخر، والتكفير، وتقسيم العالم إلى «دار إسلام» و«دار حرب»، و«دار إيمان» و«دار كفر»، بين إسلام وجاهلية. والحقيقة أن هذه صور نمطية مشوهة. فالإسلام دين التحرر من القهر والعدوان بفعل التشهد، والإعلان أنه «لا إله إلا الله» أي المبدأ الواحد الشامل الذي يتساوى أمامه الجميع ضد الجبروت والطغيان و«آلهة» العصر المزيفة: القوة، والثروة، والجاه، والشهرة، والجنس، والترف، والثروة، والعدمية! والعنف لا علاقة له بالمقاومة المشروعة للاحتلال والظلم بعد سد كل السبل، القرارات الدولية، والشرعية الدولية. فالمقاومة في عهد التحرر الوطني هي للدفاع وليس للهجوم، للرد المشروع للعدوان، والطرد من الأوطان. والمطالبة بالاستقلال عن الاستعمار الغربي هي تفضيل للحياة الكريمة والحق في تقرير المصير. وفي كل حضارة أبطالها من رموز من المقاومة ضد العدوان، وقد كانت حركات التحرر الوطني حركات مشروعة لمقاومة الاحتلال. فهدف النضال التحرري ليس العنف والصراع بل رد العدو ومنعه من الظلم والعدوان.

2- محاولة ربط الإسلام بالقسوة في التعامل مع البدن والآخر بوجه عام، ويتحدث بعض المتحاملين الغربيين عن قوة الشريعة الإسلامية في الحدود: القتل، والصلب، والرجم، وقطع اليد، والجلد، والتغريب، حدود الردة والقصاص والسرقة والزنا وشرب الخمر. والحقيقة أن هذه الصورة إعلامية صرفة لتشويه الإسلام كدين وثقافة. فالشريعة الإسلامية كل لا يتجزأ. ولا تنفصل الحدود عن الفروض والكفارات. فالحدود تأتي في النهاية وليست في البداية، والحقوق تسبق الواجبات. فمن حقوق المسلم الكفاية، أي إشباع الحاجات الأساسية من طعام وشراب وإسكان وتعليم وعلاج وعمل وزواج مبكر. فلا قطع يد عن جوع وشدة احتياج إلى حد الخوف على النفس. كما أن الغاية من الحد ليس التطبيق بل الردع والمنع والزجر، ودرءاً للحدود بالشبهات. والقصاص في كل القوانين حماية للحياة. وقانون العقوبات جزء من القوانين العامة.

3- أما التعصب والتشدد ورفض الحوار والتصلب للرأي فهي ممارسات حانقة ومواقف غاضبة قد تخلقها أحياناً الظروف النفسية والاجتماعية والسياسية لبعض المجتمعات العربية الإسلامية التي قد يضيق فيها البعض بالرأي الآخر، إقصاء في مقابل إقصاء، واستبعاد ضد استبعاد. في حين أن الاختلاف في الرأي أمر شرعي، وموضوع لعلم الخلافيات. ولا يوجد كتاب سماوي حاور المخالفين مثل القرآن الكريم الذي أورد صوراً من الحوار مع الكفار والمشركين والمنافقين والصابئة والوثنيين، الحجة بالحجة، والرأي بالرأي، والبرهان بالبرهان. وما لا دليل عليه يتعين نفيه عند بعض المناطقة المسلمين. والكل راد والكل مردود عليه. والاختلاف سنة في الطبيعة والحياة من أجل إيجاد الوحدة السارية وراءه. الوحدة في التنوع، والتنوع في الوحدة.

4- وقد عمم الغرب ما سماه بالأصولية على الثقافة الإسلامية كلها واعتبرها أصولية! ويعني بها رفض الجديد، والتمسك بالقديم، العودة إلى الأصول ورفض الحداثة، والحرص على المظاهر والأشكال، وممارسة العنف في الداخل والخارج، وتكفير المجتمع! ويستشهدون بقول ابن خلدون إن العرب، ويقصد الأعراب، إذا استولوا على دولة أسرع إليها الخراب! فالبداوة ضد الحضارة، وابن البادية أسعد في الخيمة منه في البيت، وعلى الهجين منه في العربات الفارهة الحديثة، وفي «البر» منه في البحر والجو، وفي العشيرة منه في الدولة. والحقيقة أن الأصولية تيار في كل حضارة له مميزاته وعيوبه. إذ إنه ينبه على مخاطر الاغتراب، وفقدان الهوية، والانبهار بالحداثة والثمار، وترك الأصول والجذور. وهي ليست بمفردها بل في حوار مع التجديدية أو في صراع معها. وهما تياران صحيحان، يصحح أحدهما الآخر. والأصولية في الغرب أيضاً رفض للحداثة وقيم المجتمع الاستهلاكي. والعود إلى الحياة البدائية كان نموذجاً للتحرر منذ جان جاك روسو، عود إلى الطبيعة والبراءة الأولى.