سليم نصار

 

كان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن يبحث عن حجة سياسية أو أمنية تبرر له عملية تجديد ولايته لمرة ثانية. وقبل أربعة أيام من موعد الانتخابات -أي في 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2004- حدثت المفاجأة التي عبّدت له طريق التجديد لولاية ثانية. وتمثلت المفاجأة بشريط بثته «القاعدة» يعلن فيه أسامة بن لادن الاستمرار في حملة القتل والتدمير ضد الأهداف الأميركية.

وكان من الطبيعي أن يستخدم جورج دبليو بوش ذلك الفيلم حافزاً للناخب الأميركي يدفعه بواسطته إلى إعادة انتخابه، باعتباره المرشح الوحيد الذي وضع على رأس أولوياته الأمنية والقومية... محاربة الإرهاب.

بالمقارنة مع ذلك الحدث، فإن المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب كان يبحث عن مفاجأة مماثلة ترفع من أسهمه المتراجعة أمام أسهم منافسته هيلاري كلينتون. وقبل موعد الانتخابات المحدد يوم الثلثاء المقبل (8 الجاري) حدثت مفاجأة تشرين الأول للمرة الثانية في تاريخ الولايات المتحدة، فقبل عشرة أيام من الانتخابات أبلغ رئيس مكتب التحقيقات الفيديرالية جيمس كومي مجلس الشيوخ بقراره استئناف التحقيق في مسألة استخدام كلينتون بريدها ال‘لكتروني الخاص عندما كانت وزيرة خارجية!

ويبدو أن كلينتون اطمأنت في تموز (يوليو) الماضي إلى انتهاء التحقيق في الدفعة الأولى من الرسائل الإلكترونية. كما اطمأنت صديقتها ميشيل أوباما إلى براءتها أيضاً، ما دفعها إلى إعلان حملة مشتركة أقسمت خلالها سيدة البيت الأبيض أن كلينتون هي خير مَنْ يوظف تجربته السياسية لإعلاء شأن أميركا في الداخل والخارج.

الاستطلاعات الأخيرة التي نُشِرَت هذا الأسبوع تشير إلى التعادل بين المرشحَيْن، خصوصاً بعدما شكل التحقيق الثاني عائقاً في طريق المرشحة الديموقراطية. أو بعدما أثار ترامب أسئلة متواصلة عن مصداقية كلينتون التي هددها بالسجن في حال فوزه، أثناء المناظرة الثانية. والملفت في الأمر أنه تبيّن في التحقيق الثاني وجود ألف رسالة داخل الحاسوب المشترك مع مستشارة كلينتون هوما عابدين وزوجها السابق أنتوني وينر، صاحب المخالفات الجنسية الوقحة.

إعلان كومي وفّر الذخيرة الإعلامية التي وظفها ترامب لاتهام منافسته بأنها فاسدة. ومعنى هذا أن «مفاجأة تشرين الأول» أعادت إلى ساحة النقاش موضوع شخصية كلينتون، الأمر الذي أربك مؤيديها وأضعف حملتها. وحدث ذلك كله قبل نشر الرسائل الجديدة... وقبل أن تثير وثائق «ويكيليكس» بعض الحقائق عن صندوق المساعدات الذي أثرى عائلة كلينتون.

يتهم ترامب موظفي البيت الأبيض بشن حملة افتراءات ضده، زاعماً أن الرئيس باراك أوباما أعطى الأمر بلتفيق الاتهامات باحتقاره للمرأة واعتبار النساء ممتلكات وجدن لتلبية غريزته الجنسية. وأقسم أمام الجماهير بأنه لا يعرف ملكة الجمال، ولا كل «العاهرات» اللواتي اشتركن في تلويث سمعته. وادعى أيضاً أن القسوة التي قابل بها خصومه، كانت نابعة من حاجته إلى إظهار نفوذه السياسي، وليس نفوذه الاقتصادي فقط.

لكن هذا التبرير لا يعطيه الحق بأن يصف المرشح جيب بوش بـ «الإنسان التافه». أو أن يُحرج منافسه الآخر تيد كروز الذي انسحب من معركة المنافسة بعدما سمع ترامب يقول من فوق منبر الخطابة إن والده رفائيل كروز اشترك، مع لي هارفي أوزولد في اغتيال الرئيس جون كينيدي. واستند ترامب في اتهامه على صورة نشرتها مجلة صفراء تدعى «ناشونال إنكواير»، وكتبت إلى جانبها مقالة عن والد تيد كروز، المهاجر الكوبي الذي عمل مرشداً في كنيسة بروتستانتية. ويدافع دونالد ترامب عن موقفه المتطرف بالقول إن كروز هو الذي باشر حملة الافتراء ضده بإطلاق كذبة مفادها أنه يخفي عن الجماهير تقريراً طبياً يثبت أنه أصيب بمرض الزهري. ثم رفع مستوى التحدي إلى درجة أنه وزع صور زوجته الثالثة مالانيا وهي تظهر عارية في إعلان لمحلات فراء. ولما ردّ عليه ترامب بكشف السيرة المختلقة لدور والده، اضطر كروز إلى الانسحاب من معركة المنافسة، لأن الحوار في نظره بلغ أدنى درجات الإسفاف والمهانة.

في بداية الأمر، لم يكن دونالد ترامب واثقاً من منافسة 16 مرشحاً من الحزب الجمهوري. لكنه نجح في اجتياز كل الحواجز القائمة، عندما تسلح بالثقة المفرطة، وراح يطلق شعارات مثيرة أهمها «إعادة بناء عظمة أميركا»، و «محاربة الإرهاب في الداخل والخارج»، و «تطهير الإدارة من المفسدين»، و»بناء جدار فاصل مع المكسيك».

وُلِد ترامب في نيويورك، لمقاول ناجح أنجبت زوجته خمسة أطفال. وبعد تخصصه في ميدان التجارة والاقتصاد، استدان من والده مليون دولار كانت اللبنة التي شيَّد فوقها شركته. وعلى عكس والده الذي اختار الأحياء المنعزلة مثل حي كوينز لبناء منازل شعبية، فقد توجه الابن إلى تشييد الأبراج وكازينوات القمار والفنادق الفخمة وملاعب الغولف. وقد نشر إنجازاته من مانهاتن إلى ميامي ومن مومباي إلى اسكتلندا ودبي. وكان حريصاً على جمع أشهر الماركات داخل أبراجه الضخمة. ويتذكر الناشر نعيم عطاالله، يوم التقاه مع جون اسبراي في العام 1984 في «برج ترامب» القائم في نيويورك، كيف سوَّق نفسه كأفضل مالك عقارات في الولايات المتحدة. لكن هذه الشهرة لم تحصنه ضد الإفلاسات والمحاكمات المرتبطة بأعماله. والدليل أن الدولة وضعت أربعة من الفنادق والكازينوات التي يملكها تحت حماية قانون الإفلاس الأميركي.

تزوج ترامب، البالغ من العمر 70 سنة، ثلاث مرات من ممثلة وعارضتي أزياء. ولديه خمسة أولاد وسبعة أحفاد. وعُرِف عن هذا البليونير أنه كان منضوياً تحت لواء الحزب الديموقراطي (2001-2009) ثم الجمهوري (2009-2011) ومن ثم انضم إلى «حزب الإصلاح» قبل أن يرجع إلى الحزب الجمهوري.

ومع أنه يفتقر إلى التجربة السياسية إلا أن خطبه الصاخبة وتعليقاته اللاذعة ضد حكام بلاده ضاعفت عدد الذين التحقوا بركب حملاته المثيرة للجدل. وهو يحظى بشخصية جذابة، ويطرح نفسه منقذاً لأميركا التي تحتضر في عهد باراك أوباما. وقد وعد، في حال انتخابه، ببناء جدار على الحدود المكسيكية بكلفة ثمانية بلايين دولار لمنع الهجرة غير المشروعة. كما تعهد أيضاً بطرد 11 مليون مهاجر غير قانوني.

وركزت كلينتون على اتهامه بـ «مسايرة الديكتاتور فلاديمير بوتين» الذي تقول إن إعجابه بنظامه جعل موسكو مهتمة وناشطة من أجل تأمين فوزه.

تؤكد المعلومات أن كبار مسؤولي الحزب الجمهوري أعربوا عن استيائهم واستهجانهم الطريقة الفظة التي استخدمها ترامب للوصول إلى هذا الموقع، وكونها دليلاً على إيمانه بأن الغاية تبرر الوسيلة. لذلك قرروا مقاطعة الانتخابات كمؤشر سلبي لاعتراضهم على هذا الخيار. وبحسب تقديرهم، فإن المرشح الجمهوري مستعد لاستباحة كل المحرمات بغرض الوصول إلى البيت الأبيض. والدليل أن زوجته سرقت حرفياً مقاطع من خطاب ميشيل أوباما من دون أن تعتذر أو يعتذر عنها.

وتتردد في الأندية الديبلوماسية في نيويورك حكاية قديمة تزامن حدوثها مع انتقال الرئيس الروسي السابق ميخائيل غورباتشوف الى سان فرانسيسكو مع عقيلته رايسا. خلاصة الحكاية أن دونالد ترامب وجّه دعوة الى غورباتشوف ليكون ضيفه في «بانت هاوس» عمارة البرج الفخمة. ورحبت واشنطن بالفكرة، على اعتبار أن المضيف يمثل النموذج الناجح للفرد النشيط الطموح داخل النظام الرأسمالي المنتصر على النظام الاشتراكي.

لكن الرئيس الروسي السابق اعتذر عن عدم قبول الدعوة من دون أن يذكر الأسباب. ثم تبين بعد فترة أن غورباتشوف كان على علم بالعقد «الملغوم» الذي وقعه ترامب مع جاي بريزتر، صاحب سلسلة فنادق «حياة ريجنسي». ويبدو أن المشرف على طباعة العقد -وبأمر من معلمه ترامب- استغل فرصة غيابهما في المطعم لتحريف نص الاتفاق لمصلحة المؤتمَن على الطباعة، أي ترامب. ولما كُشِف الأمر، اعتبر ترامب أن التحايل -أو الاحتيال- شطارة. تماماً مثلما يعتبر أن تجنب دفع مستحقات دائرة الضرائب... شطارة أيضاً.

وتكمن خطورة هذه الأمثلة في إصرار ترامب على تطبيق وسائل جمع الثروة على إدارة الدولة أيضاً. وبما أنه لم يسبق له أن خدم في الدولة سيناتوراً مثل جون كينيدي أو هيلاري كلينتون، أو حاكم ولاية مثل رونالد ريغان، فإن المراقبين يتخوفون من تجاربه المحدودة التي يكشفها الموقع الأول في البيت الأبيض.

تميل جماعة الحزب الديموقراطي إلى القول إن البيت الأبيض استقبل ممثلين ينتمون إلى مختلف الطوائف والأعراق والألوان، بدءاً بالبروتستانت... مروراً بالكاثوليك (جون كينيدي)... وانتهاء برئيس أسود اللون (باراك أوباما). وهم يراهنون على أن يكون الحظ من نصيب أول امرأة أميركية تدخل البيت الأبيض، بحيث تشعر النساء بأن حقوقهن مستوفاة في موقع النفوذ الأول.

بيد أن ترامب -بواسطة أنصاره- يسعى إلى عرقلة هذا المسعى من طريق زرع معوقات و «متفجرات» تمنع كلينتون من تحقيق هذا الهدف. وهو يزعم أنه افتتح قبل فترة وجيزة آخر فندق من مجموعة فنادقه، بالقرب من المثلث الفيدرالي في واشنطن، بحيث يكون قريباً جداً من البيت الأبيض. وكتبت صحيفة «نيويورك تايمز» هذا الأسبوع مقالة تحذير تشير فيها إلى المعنى المستتر وراء قول ترامب إنه لن يعترف بنتيجة الانتخاب إلا إذا كان هو الفائز!

والمعنى المستتر، بحسب توقعات الصحيفة، يكمن في تهديد أنصار المرشح الجمهوري بافتعال ثورة وأعمال شغب وعنف في الشوارع، إذا خسر مرشحهم السباق الرئاسي وأعلنت النتائج ليلة الثلثاء المقبل بفوز المرشحة الديموقراطية كلينتون!