سالم حميد 

جاء إصدار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله لقانون القراءة، تتويجاً لأنشطة عام القراءة 2016، بما حملته هذه المبادرة من دلالات حضارية وثقافية أيقظت الوعي بأهمية العودة إلى الكتاب كمصدر للمعرفة وتنمية الوعي الفردي والجماعي. وكما عودتنا قيادتنا على استشراف المستقبل واستثمار تفاعل المجتمع مع المبادرات لتحويلها إلى تشريعات وبرامج عمل، ها هو صانع القرار الوطني الإماراتي يصدر قانوناً هو الأول من نوعه على المستوى العالمي. ولا شك أن هذا السبق التشريعي الفريد يعزز خدمة الثقافة والمعرفة على المستويات الأهلية والحكومية، ويضمن القانون أيضاً تحويل القراءة إلى نشاط مستدام في الإمارات، بعد أن أثبتت مبادرة عام القراءة أن هذا النشاط الإبداعي الخلاق يمتلك قابلية التحفيز والتنظيم والتشريع. وتتضمن مواد قانون القراءة حزمة من البنود التي تستحق التأمل في المحفزات التي تطرحها على مستويات متعددة لتشجيع القراءة والحث عليها وتحويلها إلى نشاط معرفي محمي ومدعوم تشريعياً.

يستهل القانون الجديد والاستثنائي مواده ببنود تتعلق بالقطاع الرسمي في دوائر الدولة، حيث ألزم الجهات الحكومية المعنية بإدارة الموارد البشرية بتمكين الموظف من الحصول على وقت للقراءة التخصصية في مجال عمله ضمن ساعات العمل الرسمية، واتخاذ التدابير اللازمة لدعم أنشطة القراءة وتبادل المعارف والخبرات في محيط العمل، وتوفير الفرص للموظفين للحصول على مواد القراءة التخصصية المطبوعة أو الإلكترونية المناسبة. ومن شأن هذا التوجه أن يجعل الموظف الحكومي على صلة بالجديد في مجال عمله مما يشجعه على الإبداع والابتكار.

ورغم انتشار المكتبات العامة الحديثة بكثافة في الإمارات، أضاف قانون القراءة بنداً ألزم فيه الجهات الحكومية بالسعي لتوفير المزيد من المكتبات العامة ومرافق القراءة في مختلف مناطق الدولة، بالإضافة إلى تحفيز القطاع الخاص على الاستثمار في إنشاء المكتبات والمراكز الثقافية عبر مجموعة من الحوافز والتسهيلات والأراضي المناسبة، وكذلك تحفيز مراكز التسوق على توفير مساحات بأسعار تنافسية لمشاريع المكتبات العامة فيها. وعبر هذا البند يشجع القانون الجديد على تفعيل نشاط القراءة وجعله متاحاً في كل مكان، بالنظر إلى أهمية استحضار مرافق القراءة في مراكز التسوق التي تجذب الأفراد.

وعلى مستوى المكتبات الحكومية العامة القائمة، يوفر القانون فرصة ذهبية لعشاق القراءة من خلال إلزامه الجهات المختصة بإدارة المكتبات العامة بتوفير خدمات استخدام مرافق المكتبة واستعارة الكتب واستخدام الشبكة الإلكترونية والمعلومات الرقمية مجاناً، بالإضافة إلى ميزة فتح المكتبات العامة طيلة أيام الأسبوع ولساعات ممتدة، كما أوصى القانون بالعمل على إعادة تصميم المكتبات العامة بصورة جاذبة عبر تطوير أنظمتها وتحديث المحتوى، ليناسب جميع فئات المجتمع. وبذلك يتيح القانون إحداث نقلة نوعية جديدة على مستوى أداء المكتبات العامة في الإمارات. وعلى ضوء القانون الجديد، وبحسب إحدى مواده، ستشهد الإمارات تأسيس مكتبة وطنية تمثل أرشيفاً فكرياً لحفظ وأرشفة الإنتاج الفكري المقروء من التلف والضياع، وإتاحته للجمهور والأجيال القادمة. ومن التسهيلات التي يقدمها قانون القراءة للمستثمرين والمهتمين بتأسيس دور النشر والطباعة، البند المتعلق بمعاملة مواد القراءة في الدولة كسلعة رئيسة تعفى من أي رسوم أو ضرائب لغايات التأليف أو النشر أو الطباعة أو التوزيع، بالإضافة إلى الإعفاء من رسوم الحصول على الرقم المعياري الدولي الموحد للكتب.

وعلى مستوى الارتقاء بالإنتاج العلمي والثقافي في الإمارات، تضمن قانون القراءة مادة نصت على تكليف الجهات المختصة بوضع برنامج لتطوير صناعة النشر في الدولة، وسن السياسات التي من شأنها إثراء محتوى القراءة باللغة العربية، وإنتاج كتب وطنية فكرية بجودة عالية، إضافة إلى دعم وتوفير حوافز وتسهيلات للمؤلفين والمحررين ودور النشر ودور الطباعة في الدولة.

وتنعكس حصيلة هذا التشريع المتميز على جوانب عديدة ذات صلة بالتنمية الثقافية من مدخل القراءة وتشجيعها ودعم كل ما يتعلق بالمؤلف والناشر والمكتبة والقراء من كافة الجوانب الإنتاجية والتأهيلية. ومما يساعد على ترجمة هذا القانون امتلاك الإمارات سلسلة مكتبات عامة، بالإضافة إلى انتظام معارض الكتاب الكبرى التي أصبحت وجهة لدور النشر العربية والعالمية.

وجاء صدور قانون القراءة بالتزامن مع معرض الشارقة الدولي للكتاب في موسمه الجديد، الذي يعد حدثاً ثقافياً بارزاً، يحتفل فيه العالم العربي بالكتاب على أرض الإمارات الجاذبة للإبداع والثقافة والتجديد الدائم.