عبد الرحمن الحبيب

 تبدلت الأمور في لبنان بالآونة الأخيرة، وأعيد خلط الأوراق مما زاد الوضع غموضاً؛ إلا أن الواضح هو انتهاء الفراغ السياسي الذي دام نحو سنتين ونصف، بوجود رئيس للدولة ورئيس للحكومة واتفاقهما بعد قطيعة مريرة.. فمن الرابح والخاسر في الوضع الجديد؟

إذا كان يقال بعد نهاية أي حرب أهلية أنه «لا يوجد منتصرون بل ناجون»، على أساس أن الجميع خاسر منها، فيمكن القول إنه بعد نهاية الفراغ السياسي لا يوجد «خاسرون بل متنازلون»، على أساس أن التنازلات السياسية المتبادلة ستؤدي لاستقرار الدولة لصالح المواطنين.

لتحليل الوضع الجديد في لبنان من المهم اختصار موقف أهم الفرقاء قبيل حصول هذا التبدل. بداية مع ميشال عون فهو شديد المراس لديه ما يراه البعض جنون العظمة، ومثيراً للجدل والخلاف؛ والأهم أنه متقلب والثابت لديه هو طموحه للرئاسة الذي دام طيلة ثلاثين عاماً، وعلى أساسها يبدل تحالفاته. فبعد ما كان معارضاً بحدة للنظام السوري انقلب وتحالف معه و»حزب الله» وراعيه الإيراني. وصار يلعب دوراً معادياً لكتلة «تيار المستقبل» وحاضنته السُنية التي تمثل ثلث الشعب اللبناني، ويتزعمها سعد الحريري.

ما الذي دعا الحريري لتغيير موقفه من عون؟ استمرار الفراغ السياسي كان لصالح مليشيا «حزب الله» الخارجة على سلطة الدولة؛ ولسد هذا الفراغ وللحفاظ على تماسك «تحالف 14 آذار» الموشك على الانهيار، كان على الحريري خيارين أحلاهما مُرّ، بين فرنجية وعون. رغم تفضيل الحريري للأول، إلا أنه مرفوض من حليفه سمير جعجع رئيس حزب «القوات اللبنانية» المسيحي، فوافق الحريري على ترشيح عون على مضض، مقابل حصوله على رئاسة الحكومة.. وقد أقنع الحريري أغلب كتلة «تيار المستقبل» التي لها 33 مقعداً من أصل 128 في البرلمان، رغم أنه ذكر أنها مخاطرة لكنها ضرورية من أجل حماية لبنان والنظام والدولة (ديفيد شنكر، معهد واشنطن).

أين موقع مليشيا «حزب الله»؟ كانت هذه المليشيا مستفيدة من الفراغ السياسي الذي أعطاها حرية التوسع العسكري الذي امتد إلى سوريا. لذا أحجم «حزب الله» في البداية عن دعمه لعون رغم أنه حليفه! كما أن عون في سبيل ترشحه للرئاسة أظهر بعض التعليقات الحيادية التي لا ترضي «حزب الله»، لكن هذا الحزب اضطر، مؤخراً، لدعم ترشيح عون عندما اتفقت كافة الأطراف عليه. تجربة «حزب الله» مع الرؤساء ليست جيدة حين يحاولون فرض سيادة الدولة كما حدث مع الرئيس السابق الذي دعمه الحزب بقوة في البداية لكن الرئيس وقف ضد الميليشيا بآخر المطاف.

الآن، ما هي التوقعات؟ كرئيس دولة، استقال عون من زعامة «التيار الوطني الحر» مما ستؤثر، بسبب كاريزميته، على هذا التيار ويفاقم الانقسامات الداخلية فيه، ومن ثم قد يتفكك تحالفه مع «حزب الله»، رغم أن عون أوكل رئاسة التيار لصهره جبران باسيل للحفاظ على تماسكه. أيا يكن، عون أصبح رئيس الدولة وصار لديه موقع ومهام تختلف عن السابق، والمحتمل أن يتخلى عن حزبه الفئوي المتعاطف مع «حزب الله»، فحلمه الأساسي حصل برئاسة الدولة، مع سنه المتقدم، مما قد يجعله يحاول الظهور كشخصية وطنية شاملة وجامعة لكافة اللبنانيين..

لكن صلاحيات رئيس الدولة تبقى محدودة، فلن تستطيع مؤسسة الرئاسة إرساء سيادة الدولة وجيشها الوطني ونزع سلاح «حزب الله». إلا أن «حزب الله»، كما سبقت الإشارة، ستقل أرباحه بالحد من توسع مليشياته التي كانت منفلتة أثناء الفراغ الدستوري، فضلاً عن سقوط دعواه السابقة بأن مليشياته لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي. وقد تسربت معلومات عن «كتلة المستقبل» أن الحريري توصل لتفاهمات مع عون تضمن الحفاظ على اتفاق الطائف، وعدم تعديله إلا بإجماع اللبنانيين، وعلى تحييد الدولة اللبنانية بالكامل عن الأزمة في سورية (بي بي سي)، مما سيحد من نفوذ النظام السوري وبالتالي نفوذ «حزب الله».

أما بالنسبة لأداء الحريري في رئاسة الحكومة، فأكبر التحديات التي تواجهه هي تشكيل وزراء الحكومة بين مختلف الفصائل المتنافسة، فكلّ يطالب بحصة يراها الآخرون أكبر من حجمه؛ فهل يتمكن من إدارة هذه المنافسة الشرسة، والخروج بحكومة توافقية لحل الأزمات الطاحنة خصوصاً الاقتصادية حيث بلغت البطالة 25%، فضلاً عن اللاجئين السوريين الذين بلغوا ثلث السكان؟ إذا أضفنا الداعمين لرئيس الحكومة داخل لبنان فإن دول الخليج وعلى رأسها السعودية وكذلك الدول الغربية أظهرت رغبتها في دعم الحكومة الجديدة، مما رفع سقف التوقعات..

فعلى المستوى الاقتصادي أشار معهد التمويل الدولي وبنك بيبلوس أن انتخاب رئيس الدولة ورئيس الحكومة ستكون إيجابية على الاقتصاد اللبناني إذا تشكلت الحكومة ورافقها تحسن في البيئة السياسية، بما يرفع التوقعات بنمو الناتج المحلي الإجمالي من نسبة 1.4% حالياً إلى 3.3% في العام القادم.

الوضع يشير، مؤقتاً، للتفاؤل لكن هل يصمد؟ إذا كان سمير جعجع عبَّر عن انتخاب الرئاسة بأنه: «من المرات النادرة سيكون للبنان رئيس صُنع في لبنان». فهل يكون من المرات النادرة التي يستقر فيها لبنان؟ ذلك منوط باللبنانيين لحل أزماتهم الفعلية وليس المفتعلة.. المحلية قبل الخارجية.