سلمان الدوسري

 عندما تعلن نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية فجر غد بتوقيت غرينتش، سينتهي السؤال الأكثر ترديدًا في الأسابيع الماضية: مَنْ الأفضل للمنطقة؟ المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون أم المرشح الجمهوري دونالد ترامب؟ هل هي السيدة التي شاركت وخطّطت ونفّذت سياسات إدارة الرئيس باراك أوباما، أم أول مرشح رئاسي يجاهر بخصومته لشرائح متعددة من أبناء شعبه، ويعادي المسلمين والمهاجرين وذوي الاحتياجات الخاصة والمكسيكيين ويفاخر بتحرشاته الجنسية؟ ربما من حسن حظ المرشحين أنهما يتنافسان سويًا، فلو نافس ترامب مرشحًا ديمقراطيًا غير كلينتون لكانت حظوظه أوفر، وكذلك الحال لو كان مرشح الحزب الجمهوري مرشحًا بخلاف ترامب وواجه هيلاري.
من خلال المناظرات الانتخابية بين كلينتون وترامب، وبعيدًا عن وصول مستوى النقاش فيها إلى مسار لا أخلاقي لم يسبق له نظير، وهو أمر على كل حال لم يعد لافتًا أو مفاجئًا من هذه الانتخابات وصاعدًا، فإن المناظرات لم تأتِ بجديد عندما يذهب الحديث حول قضايا الشرق الأوسط، مثلاً الموقف من الاتفاق النووي مع إيران؛ لم يقدم ترامب أي بديل واضح للاتفاق الذي هاجمه مرارًا بشراسة، أما كلينتون بدورها فدافعت عن الاتفاق من جهة، ثم اعترفت بأن النظام الإيراني يشكل خطرًا من جهة أخرى، ولوّحت باستخدام القوة العسكرية ضد إيران في حال وقوع انتهاكات للاتفاق، لكنها حتى الآن لم تقدم أي مقترحات مفصلة للتصدي للاتفاق النووي، وإذا ذهبنا إلى سوريا الجريحة فقد أغفل المرشحان في مناظراتهما الكارثة الإنسانية الأكثر مأساوية في التاريخ الحديث، مما يعني استمرارهما بنفس السياسة الأوبامية التي يمكن تسميتها «اللامبالاة الاستراتيجية»، وهكذا استمر الحال بين المرشحين بشأن الخلافات حول غزو العراق 2003، ثم الانسحاب منه 2011. للأسف جلّ النقاشات بين ترامب وكلينتون تناولت مواقف سابقة ولم تتطرق لسياسات قادمة تفصيلية، أو تلك التي سيشرحها الرئيس القادم لشعبه والعالم في خطاب التنصيب، بالطبع باستثناء ما تم تسريبه من فريقي المرشحين وليس سياسات قاطعة يمكن البناء عليها في استراتيجيتهما مستقبلاً.
لا أظن أحدًا في الشرق الأوسط يمكن أن يصف سياسة الرئيس باراك أوباما بغير المضللة والمترددة، بدءًا من خطابه الشهير في جامعة القاهرة 2009، مرورًا بكذبة الخط الأحمر الذي حدده حول استخدام نظام بشار الأسد للكيماوي، وانتهاء بالاتفاق النووي مع إيران الذي تبيّن أنه مكافأة لنظام تعدّه واشنطن ذاتها داعمًا للإرهاب. ونظرًا لأن كلينتون كانت إحدى أدوات الرئيس، وهي شريكة كاملة داخل إدارة أوباما سواء في دورها الاستشاري أو في شغلها لمنصب وزيرة الخارجية، وأن إدارة واشنطن لملفات المنطقة خلال ما يسمى «الربيع العربي» أدت إلى نشوب حروب داخلية في بعض دول المنطقة، فمن الطبيعي عدم التفاؤل بأنها ستأتي بسياسة مختلفة عمّا عملت بقناعة عليه طوال السنوات الماضية، وفي الوقت نفسه فإن الأمر الإيجابي الوحيد الذي تحمله هيلاري بالنسبة للمنطقة أنها، مقارنة بمنافسها، لن تأتي بمفاجآت أكثر سوءًا مما هي عليه حاليًا، بالمقابل فإن السياسي - أي سياسي - لا يمكن أن يراهن على شخصية نزقة متقلبة مثل ترامب، (قد) تحدث المفاجأة ويكون أقل سوءًا من الرئيس أوباما، وبالمقابل (قد) نشهد رئيسًا أميركيًا عدوانيًا لم يسبق له مثيل، و(قد) نصحو يومًا على عالم سيئ جديد تقوده الولايات المتحدة، وترامب بالتأكيد يحمل المؤشرات المناسبة لأن يكون رئيسًا سيئًا، فهل يمكن المقامرة على ما يمكن أو ما لا يمكن، مع الأخذ في الاعتبار أن العواصم العربية لم تفهم حتى الآن ما هي حقيقة توجه ترامب إزاء العالم العربي، وما إذا كانت سياساته ستصبح إيجابية أم أكثر سوءًا من الإدارة الحالية.
إذا كانت إدارة الرئيس باراك أوباما بالمنطقة اعتمدت خلال الثماني سنوات الماضية على سياسة التواصل مع الخصوم أكثر من تعزيز الشراكات مع الحلفاء، فإن الساكن القادم للبيت الأبيض سيعي جيدًا أن التخلي عن المنطقة ليس خيارًا، أو كما قالت هيلاري كلينتون: «سيكون خطأ فادحًا من الولايات المتحدة أن تتخلى عن مسؤوليتها أو تتنازل عن زمام القيادة». وبغض النظر عمّن سيكون الساكن الجديد للبيت الأبيض، فإن المنطقة بحاجة ماسة لرحيل الرئيس الحالي أولاً وثانيًا وعاشرًا، الذي تضرّرت المنطقة من سياساته كما لم يفعل أي رئيس سابق، ومن ثم سبر أغوار الرئيس القادم الذي سيكون محظوظًا بكل تأكيد أنه سيأتي بعد باراك حسين أوباما.