وحيد عبد المجيد

أصدر مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في الولايات المتحدة قبل أيام تقريراً مهماً عن معركة الموصل، يفيد بأن هزيمة «داعش» ليست التحدي الأساسي، بل الأهداف المتضاربة للأطراف المشاركة في هذه المعركة، واحتمال «انقلاب بعضها على بعض»، لذلك فالصراع بينها هو ما سيُحدِّد مصير العراق.

وكان كاتب هذه السطور قد سبق إلى التحذير من مغبة إطلاق معركة الموصل بدون تفاهم واضح ومُوثَّق حول دور الأطراف المشاركة فيها، وما سيكون عليه اليوم التالي للمعركة، وذلك في مقالة منشورة هنا يوم 28 سبتمبر الماضي. وبعد أن حددت تلك المقالة جوهر المشكلة في أن معركة الموصل ستكون نقطة تحول بشأن مستقبل العراق، خَلُصت إلى ضرورة التفاهم على ترتيب الأوراق قبل إطلاقها حتى لا تكون نتيجتها نهاية العراق الموحد، وليست فقط نهاية احتلال «داعش» لثاني أكبر مدنه.

غير أن المعركة أُطلقت رسمياً في 17 أكتوبر الماضي، وبدون صيغة متكاملة لهذا التفاهم، اكتفاءً بتعهدات شفوية من بعض الأطراف صاحبة المصلحة في تحقيق مكاسب طائفية أو عرقية، أو تغيير موازين القوى على الأرض، أو فرض أمر واقع جديد، أو القيام بعمليات انتقام قد تكون أفظع من سابقاتها.

لذلك أصبح من الضروري وضع تصور للحد من الأخطار المحتملة والمتوقعة، لأن المعركة ضد «داعش» محسومة سلفاً بين قوات يصل قوامها نحو مائة ألف (الجيش والشرطة العراقيين و«الحشد الشعبي» و«البيشمركة» والعشائر)، وتحظى بغطاء جوي من طائرات التحالف الدولي، مقابل جماعة مسلحة قد لا يتجاوز عدد مقاتليها نحو ثمانية آلاف.

وفضلاً عن هذه الفجوة الكمية الكبيرة، يوجد فرق نوعي نتيجة تراجع أداء «داعش» العسكري بعد مقتل كل من أبو عمر الشيشاني وأبو مسلم التركماني، والارتباك في إدارة العمليات عقب مقتل أبو عبد الرحمن الببلاوي، وهذا فضلاً عن الخلاف الحاد داخل «داعش» حول مواصلة القتال أو الانسحاب من الموصل، والذي أدى إلى تمرد داخلي أفقد التنظيم مئات من عناصره.

وتتحمل الولايات المتحدة المسؤولية الأولى عن إيجاد صيغة تُقلِّل الخسائر التي ستترتب على تصاعد الصراع بين بعض الأطراف المشاركة في معركة الموصل، خصوصاً في ظل هشاشة التعهدات التي صدرت عنها، بما في ذلك تعهد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي شخصياً بعدم مشاركة فصائل «الحشد الشعبي» في اقتحام المدينة، لكن هذه الفصائل تقدمت باتجاه الموصل من ناحية الجنوب الغربي، الأمر الذي يضع قطاعات من السكان في قبضتها حتى وإن لم تدخل إلى قلب المدينة.

كما أن تعهد حكومة إقليم كردستان بعدم استغلال المعركة لضم أية منطقة متنازع عليها مع حكومة بغداد في محافظة نينوى، لا يمنع تحركها لتأمين سيطرتها على مناطق انتزعتها قوات البيشمركة بالفعل بعد أن كان «داعش» قد احتلها في 2014، مثل منطقتي مخمور والخارز اللتين شرعت «البيشمركة» في حفر خنادق وسواتر ترابية حولهما بالتوازي مع معركة الموصل لرسم الحدود في هذه المنطقة.

وتتطلع حكومة إقليم كردستان لأن تخلق هذه المعركة ظرفاً ملائماً لإجراء استفتاء تقرير المصير الذي ينص عليه الدستور العراقي في المادة 140، بحيث يشمل مناطق في محافظة نينوى ترى أنها تمثل جزءاً من هذا الإقليم.

وربما يكون السيناريو الأسوأ في هذه الحالة نشوب معارك بين قوات «البيشمركة» وفصائل «الحشد الشعبي» في محافظة يتطلع قطاع من عشائرها لأن تكون عاصمة لإقليم فيدرالي سُني على نمط إقليم كردستان، الأمر الذي يجعل الوضع أكثر تعقيداً.

وإذا نشبت مثل هذه المعارك، يمكن أن تصبح حرباً بالوكالة بين إيران التي تُعد فصائل «الحشد الشعبي» امتداداً لحرسها الثوري، وبين تركيا التي ستُدعِّم قوات «البيشمركة» بعد أن دربت وحدات منها في معسكر بعشيقة، وقد تتجه تركيا في هذه الحالة إلى زيادة عدد قواتها المقدَّرة بنحو ثلاثة آلاف حالياً في العراق.

ويزداد احتمال نشوب حرب بالوكالة بين إيران وتركيا إذا سعت فصائل «الحشد الشعبي» إلى تغيير ديموغرافي في مدينة تلعفر التي تقع على بعد حوالي 30 كم غرب الموصل، ويسكنها خليط من التركمان الشيعة والسُّنة، والعرب، والأكراد.

وليست هذه إلا بعض، وليس كل، الأخطار التي قد تسفر عن الاستهانة بالتوصل إلى تفاهمات مُلزمة قبل انتهاء معركة الموصل.