رائد صالحة

اتفق العامة وأصحاب الرأي وصناع السياسة على خطورة الانتخابات الامريكية التي جرت يوم أمس وتأثيرها على مصير أقوى بلد في العالم واحتمال دفع دول اخرى الى حالة من الفوضى كما سادت مشاعر من السخط على «القذارة» التي وصلت اليها السباقات الانتخابية في السياسة الأمريكية.

هذه الرؤية القاتمة للانتخابات الامريكية الاخيرة مبالغ بها الى حد كبير وهي ليست بالتأكيد رؤية حديثة او فريدة من نوعها كما يتخيل الكثير من المراقبين، وفي الواقع، الانتخابات الامريكية في عام 1860 كانت اكثر خطورة عشية الحرب الأهلية كما كانت انتخابات عام 1940 اثناء الحرب العالمية الثانية اكثر حساسية ناهيك عن الانتخابات العصيبة في عام 1968 في اعقاب اغتيال روبرت كنيدي وداعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كنغ وانتشار العنف في المدن.
وقد افترض الكثير من المحللين أن انتخاب ترامب للرئاسة الامريكية، وبغض النظر عن النتيجة، يمثل واقعاً من الانحطاط للمستوى الذي وصلت اليه الانتخابات التي تسعى للحصول على أهم وظيفة في العالم ولكن الوقائع التاريخية الصادمة تذكرنا مرة ثانية بأن ترامب ليس حالة غير تقليدية حيث ما زالت ذكرى الرئيس الامريكي الاسبق ريتشارد نيكسون ماثلة للعيان، ولا بد من التذكير بأن الرئيس المذكور الذي ارتكب جناية لا تنسى قد تجنب قراراً عاماً بإقالته من المنصب عبر تقديمه الاستقالة. 
اما انتخاب كلينتون للرئاسة وما يعنيه ذلك من انتخاب أول امرأة لرئاسة الولايات المتحدة فهو يحظى بتزكية عالمية ولكن الواقع يقول، وبغض النظر عن النتيجة، ان كلينتون لا تحظى قطعياً بشعبية وانها غير موثوق بها من قبل فئات كثيرة من الشعب الامريكي وانها لن تنجح كثيراً في توحيد المجتمع المنقسم كما انها سترث الكثير من المشكلات السياسية، وعلى الارجح، تتفهم كلينتون تماماً ذلك وهي تعلم جيداً بان فضائح الماضي ستلاحقها تماما كما حدث الامر مع زوجها قبل عقد من الزمن .
وفي الشرق الأوسط وغالبية دول العالم، لم يسمع احد بالرئيس الامريكي وارن هاردينغ المؤيد لرجال الاعمال والعدو اللدود للهجرة اذ فاز هذا الرجل في عام 1920 بالرئاسة الأمريكية ولكن ادارته في البيت الابيض كانت مشبعة بالفساد والفضائح الى حد كبير جداً وصل الى ارسال احد اعضاء حكومته الى السجن ناهيك عن سمعته السيئة وعلاقاته غير الشرعية مع النساء، ومع ذلك، توفي هاردينغ في منصبه.
والافتراض الشائع الآخر الذي استنتجه العديد من المحللين هو ان الرئيس القادم للولايات المتحدة لن يتمكن من انجاز أي شيء بسبب الاعتراضات المتوقعة من الكونغرس وانقسام رأي المجتمع الامريكي بشكل حاد في القضايا المفصلية ناهيك عن استقطابات وسائل الإعلام ولكن رؤية دقيقة للتاريخ الأمريكي القريب تخالف هذه الاستنتاجات فالرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك اوباما لم يحكم طوال ولايته وسط بحر من الهدوء السياسي او تصفيق وموافقة من الكونغرس، وفي الواقع، النظام السياسي الأمريكي يعاني حالة غير مريحة من التناقضات بين البيت الابيض والكونغرس والمؤسسات الحزبية ووسائل الاعلام منذ التسعينيات وليس هناك حالة من التناغم على الاطلاق.
ومن الخطأ الاعتقاد بان الانتخابات الرئاسية الأخيرة تمثل حالة من التدهور في السياسة الامريكية فانتخابات عام 1800 التى شهدت تنافسا بين توماس جيفرسون وجون ادامز كانت اقذر بكثير من السباق الرئاسي بين كلينتون وترامب.
وللمؤرخ الامريكي ايفان توماس مؤلف كتاب «إذا كنت نيكسون» رؤية لما قد يعتقده « اباء « الولايات المتحدة حول الانتخابات الاخيرة حيث سيعبرون عن المفاجأة من جهل وتبجح ترامب وقد لا يستوعبون بالتأكيد فكرة تولي امرأة لمنصب الرئيس ولكنهم سيتفهمون «وحشية» الحملة الانتخابية.
واذا ابتعدنا قليلاً عن نظرة التفاؤل اللازمة لليوم التالي للانتخابات الامريكية فإننا سنعود الى حالة من اليأس والتشاؤم حيث تمكن ترامب وكلينتون من الحصول على لقب مشترك هو «المرشح الأسوأ» في اوساط المؤسسات الحزبية والمجتمع، ووفقا للرؤساء الكبار مثل جورج واشنطن وابراهام لينكون وفرانكلين روزفلت فان اساس نجاحهم كرؤساء هو التمتع بصفات مهمة منها الجرأة والنزاهة والرؤية والقدرة على الاقناع والالهام ولكن هذه الصفات غير متوفرة على الاطلاق في كلينتون او ترامب، وعلى النقيض من ذلك لا يعرف ترامب الكثير عن التاريخ في حين تفسر كلينتون التاريخ بطريقة تناسبها فقط، والأنكى من ذلك كله، هناك اعتقاد بأن احتمالات تحقيق انجازات في عهد الرئيس الامريكي الجديد هي ضئيلة للغاية، خاصة في القضايا الى تحتاج موافقة من الكونغرس. 
في نهاية المطاف، الرئيس القادم للولايات المتحدة لن ينجح بدون حشد الناس ولن يتمكن من انجاز أي شيء اذا تعامل مع الكونغرس بازدراء او انتهج سياسة «لي الذراع» مثل أوباما اما اهم وظيفة في انتظار الساكن الجديد للبيت الابيض فهي العمل على توحيد المجتمع الامريكي والمضي قدما في جدول الاعمال الضروري .
وصف محللون الانتخابات الأمريكية الأخيرة بأنها رائعة وخرجوا باستنتاج قديم هو ان هناك عواقب بغض النظر عمن سيفوز ولكن هناك «حدوداً للقوة» لا يمكن تجاهلها، أي بمعنى آخر، الرئيس القادم لا يستطيع بمفرده التصرف والسيطرة على الاحداث كما يرغب في حين قال عدد آخر من المحللين بأنه من العبث التعتيم على قذارة المسيرة الانتخابية.