نعمت أبو الصوف

لقد عانت الصناعة النفطية أكثر من عامين من أسوأ دورة تراجع منذ ثمانينيات القرن الماضي، وقد لا يتحقق الانتعاش حتى منتصف عام 2017 على أقرب تقدير. ويرى بعض المحللين أن أسعار النفط قد تستغرق فترة أطول قبل أن تنتعش من جديد. ولكن، في الوقت الذي يركز فيه مسؤولو شركات النفط والمحللون على السنوات القليلة الماضية، هناك تهديد أكبر بكثير يلوح في الأفق على المدى الطويل وهو "ذروة الطلب على النفط".

في هذا الصدد، توقع تقرير جديد صادر عن مجلس الطاقة العالمي (WEC) أن الطلب العالمي على النفط الخام قد يصل إلى ذروته في عام 2030 عند 103 ملايين برميل في اليوم. هذا السيناريو يتطلب تقدما كبيرا وسريعا في السيارات الكهربائية، الكفاءة، الطاقة المتجددة، والتقنيات الرقمية – مثل هذا التطور لم يعد من الصعب تصوره في الوقت الحاضر. إضافة إلى ذلك، يرى التقرير سيناريو فيه الطلب على الطاقة الأولية في العالم – التي تتضمن الطلب على جميع أنواع الطاقة بما في ذلك قطاع النقل والكهرباء – يمكن أن يصل إلى ذروته أيضا قبل عام 2030. هذه الاستنتاجات التي جاء بها التقرير لا تتوافق مع الافتراضات والمفاهيم السائدة في صناعة النفط والغاز، التي تفترض نموا ثابتا ومستقرا في الطلب ولعقود مقبلة. أسواق النفط العالمية تشهد دائما دورات تراجع وانتعاش، التي خلالها الطلب يرتفع بقوة أو يضعف. والسبب الرئيس لهذه الدورات هو الطبيعة المتغيرة للنمو الاقتصادي العالمي أو الإقليمي.

ولكن في الوقت الذي فيه الطلب دائما متقلب في المدى القصير، فإنه من دون شك الطلب على النفط قد نما لأكثر من قرن من الزمان، نتيجة النمو السكاني وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي العالمي. الركود الاقتصادي يؤثر سلبا على نمو الطلب، ولكن بمجرد تعافي الاقتصادات، يستأنف الطلب مساره التصاعدي من جديد. يمكن اعتبار هذا التوجه تقريبا مثل قانون الطبيعة، حيث يجعل من الصعب على الكثيرين أن يتصوروا انخفاضا هيكليا في الطلب على النفط على المستوى العالمي بدلا من مجرد ضعف أو تراجع دوري. ولكن عديدا من المحللين، بما في ذلك مجلس الطاقة العالمي، يقولون، إن مثل هذا التطور جار الآن. في السابق، كان الحديث جاريا حول ذروة إمدادات النفط العالمية، ولكن الآن الاتجاهات المضطربة وسياسات التغير المناخي حفزت خبراء الطاقة إلى أخذ موضوع ذروة الطلب على النفط بعين الاعتبار.

النتائج من مجلس الطاقة العالمي تتوافق مع غيرها من استنتاجات محللي أسواق النفط والطاقة البديلة. على سبيل المثال، نشرت وكالة بلومبيرج في وقت سابق من هذا العام تقريرا عن تمويل مصادر الطاقة الجديدة، تحدثت فيه عن سيناريو يتضمن انخفاضا في الطلب العالمي على النفط يتجاوز 13 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2040 نتيجة التقدم في صناعة السيارات الكهربائية. من شأن هذا التراجع أن يمحو ما يقرب من 13 في المائة من مستويات الطلب على النفط الحالية – الذي مع ذلك سيترك العالم يستهلك كثيرا من النفط بحلول 2040، ولكن هذا التراجع الكبير في الطلب سيكون كافيا للحفاظ على مستويات منخفضة من أسعار النفط بشكل دائم. ويتوقع تقرير تمويل مصادر الطاقة الجديدة لبلومبيرج أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى ذروته في منتصف العقد المقبل، عاجلا قليلا من تقرير مجلس الطاقة العالمي.

التوقعات على المدى الطويل، إلى ما بعد عشر سنوات من الآن، بالتأكيد أقل تفاؤلا من ناحية الطلب، نظرا للتقدم في تكنولوجيا البطاريات. في هذا الصدد، يتوقع البعض أنه بحلول عام 2030 المركبات التي تعمل بالنفط سوف تكون استثناء وليس قاعدة، وهذا سوف يؤثر حتما على الطلب على النفط.

بطبيعة الحال، كثير سوف يتوقف على سياسات الحكومات. في هذا الصدد يشير تقرير مجلس الطاقة العالمي إلى أنه في السيناريو المنخفض الكربون، الذي فيه الحكومات تفرض ضرائب عالية على الوقود الأحفوري وتحفز المركبات الكهربائية والطاقة المتجددة، الطلب العالمي على النفط سوف يصل أيضا إلى ذروته في عام 2030، ولكن عند مستوى أقل بكثير لا يتجاوز 94 مليون برميل في اليوم. في حين أنه، في سيناريو بقاء الأمور على حالها سيصل الطلب على النفط إلى ذروته بين عام 2040 و2050 عند 104 ملايين برميل في اليوم. من الواضح أن ديناميكية الأسواق متغيرة، ويبقى هناك عدم يقين كبير في مدى فعالية السياسات الحكومية، النمو الاقتصادي والتقدم التقني.

احتمالية وصل الطلب على النفط إلى ذروته ستكون له آثار كبيرة تتجاوز مجرد أسعار النفط. مفهوم انحسار الأصول "stranded assets" – احتياطيات النفط والغاز التي قد لا يتم إنتاجها، إما بسبب القيود على الكربون أو لأن الأسعار لم تنتعش أبدا - انتقل بسرعة من سيناريو بعيد المنال إلى سيناريو موثوق جدا في غضون فترة لا تتجاوز بضع سنوات. سيؤدي انحسار الأصول إلى شطب كثير من موجودات شركات النفط، ما قد يؤدي إلى انخفاض أسهم الشركات في أسواق المال. تبعات سوء تخصيص رأس المال لأنواع الطاقة المختلفة يمكن أن تكون كبيرة بدرجة لا يمكن وصفها.

ولكن تقرير مجلس الطاقة العالمي يقول، إن المشكلة يمكن أن تكون أسوأ من ذلك، لأن كثيرا من احتياطيات النفط والغاز في العالم هي تحت سيطرة الدولة. وذروة الطلب على النفط قد يزعزع استقرار بلدان بأكملها. ذروة الطلب على الفحم والنفط لديها القدرة على تحويل "انحسار الأصول" الأغلب في القطاع الخاص إلى الدولة، ما قد يسبب توترا كبيرا في التوازن الاقتصادي العالمي الحالي وعواقب غير متوقعة على الأجندات الجيوسياسية. وفي الختام أوصى التقرير بضرورة اعتماد استراتيجيات بديلة تمتد إلى عدة عقود لتجنب وتخفيف الآثار المترتبة على التهديدات المختلفة.