سمير عطا الله

منذ الأيام الأولى للحملة الرئاسية، وقبل فوز دونالد ترامب على منافسيه الجمهوريين، كتبت أننا أمام ظاهرة شعبية مقلقة، وليس أمام «مهرج». وما كنا نراه منفرًا في سلوك المرشح الجمهوري، كانت «الجماهير» ترى فيه حلمًا وحليفًا. «الجماهير» لا تتغير، لا في الأزمنة، ولا في الأمكنة. وللأسف هي التي أيضًا تقترع بكثافة، وليس النخب ورجال الوعي والفكر. «الجماهير» هي التي نزلت إلى الشوارع تطالب بعزل شارل ديغول، منقذ فرنسا، وهي التي أسقطت مارغريت ثاتشر، سيدة النهضة.
الاقتراع لدونالد ترامب كان اقتراع تحدٍ ونكايات، في كل ما يمثله النظام السائد. جماهير وفئات وطبقات ترفض خيبات النظام، أكثر مما هي متعلقة بالبديل. أسوأ حلفاء هيلاري كلينتون في المعركة كان باراك أوباما، رمز الميوعة في مرحلة طويلة. هكذا طرح ترامب نفسه على أنه «سوبرمان» ومحارب، ولن يتوقف عند شيء في سبيل «عودة أميركا عظيمة».
برنامج ترامب للرئاسة كان برنامج زعيم جبهة فاشية، برنامج رجل دولة يطمح إلى البيت الأبيض. وسلوكه ولغته وخطبه، لم تكن خطب رجل دولة. وهذا ما استهوى الجماهير، بدل أن يبعدها. اجتذبها رجل هائج في حلبة تصفق فيها الناس للأكثر حيوية وإثارة للغرائز.

لم يكن أحد يتوقع أن يبقى ترامب كاسحًا حتى الحاجز الأخير، لكن الذين عرفوا نفسية الجماهير عبر التاريخ، تعلموا أنها تنفعل أولاً، وتفكر تاليًا، وتندم ثالثًا. والملايين الذين ساروا خلف موسوليني في إيطاليا هم الذين ساروا وراء شنقه. الجماهير لا تستطيع أن تعي شيئًا اسمه المسؤولية، لأنها ليست مسؤولة أمام أحد.
أخطر ما في فوز ترامب أنه يحمل تفويضًا شعبيًا هائلاً. لقد عرض على الناس برنامجه مرة تلو أخرى، ثم أعطوه توقيعهم. وللعالم الحق في أن يرتعد، وللدولار أن يسقط، والأسواق أن تنهار، لأن ترامب الرئيس لن يتغير عن ترامب المرشح مهما وعد؛ هو يسعى إلى أن يصبح «رجل دولة». فقد اعتاد هذا الأسلوب الشعبوي في التعاطي مع القضايا، وطاب له. وفي أي حال، هذه هي أميركا التي يسلمها باراك أوباما لخلفه؛ ثمانية أعوام من اللاشيء. مجموعة صور تذكارية، آخرها صورة ترامب في المكتب البيضاوي.. مبتسمًا.