المصريون يطالبون السيسي بإن يخوض معهم معركة الحياة اليومية… والدولة لا تتضامن مع المواطنين

حسنين كروم

  لا يزال الاهتمام الأعظم للأغلبية الساحقة بتعويم الجنيه وارتفاع الأسعار بدرجة غير مسبوقة، مع ترحيب المؤسسات الدولية بالقرار واستمرار الحكومة في التأكيد على أنها تتخذ قرارات لحماية محدودي الدخل بعدم زيادة أسعار الكهرباء والقطارات ومترو الأنفاق، وبحث تقديم الدعم نقدا بدلا من دعم السلع. وقد أخبرنا زميلنا الرسام في «الأخبار» هاني شمس أمس أنه كان يسير في أحد الشوارع فشاهد مقدمة برامج تسأل مواطنا مفلسا قائلة له:

ـ وحضرتك تفضل الدعم النقدي ولا العيني فقال لها:
ـ الدعم النقدي اللي تشوفه عيني.

وواصلت الحكومة طمأنة المواطنين بوجود مخزون آمن للسلع الغذائية الاستراتيجية، وبأنها تشتري البترول من مصادر عديدة، بعد توقف شركة أرامكو السعودية عن توريده للشهر الثاني وعدم إرساله الشهر المقبل. كما أصدرت محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة حكما باستمرار الحكم ببطلان التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، وتبعية جزيرتي تيران وصنافير لها، وإلزام الحكومة بدفع ثمانمئة جنيه، ولكن هذا الحكم ليس نهائيا لأن المحكمة الإدارية العليا ستنظر فيه في الخامس من شهر ديسمبر/كانون الأول، أي يمكن أن تلغيه وتؤكد قانونية الاتفاقية. بعد ذلك توزعت اهتمامات كل فئة على الأخبار والموضوعات التي تهمها دون باقي الفئات، فأهالي الشباب المعتقلين يتابعون أعمال اللجنة التي أمر الرئيس السيسي بتشكيلها للإفراج عن الذين لم تصدر ضدهم أحكام قضائية، ولا تزال اللجنة المشكلة برئاسة زميلنا وصديقنا الدكتور أسامة الغزالي حرب تتلقي الطلبات. وهناك عدد لا بأس به تابع الانتخابات الأمريكية. وأصحاب الصحف الخاصة ومحرروها وكذلك الصحف القومية اهتموا بزيادة أسعار الورق والأحبار، ويطالبون برفع الأسعار، أو دعم الدولة لهم. ومرضى السكر اهتموا بمتابعة نقص الأدوية ووعود الحكومة بتوفير الأنسولين لهم. وإلى ما عندنا..

رفع الأسعار

ونبدأ بالقضية الأهم التي تشغل بال الجميع لا في مصر وحدها ولكن في كثير من دول العالم والمؤسسات المالية الدولية ويساهم في النقاش حولها المتخصصون من أهل الاقتصاد وغير الاقتصاديين، حيث بدأها زميلنا وصديقنا غالي محمد رئيس إدارة مؤسسة دار الهلال ورئيس تحرير مجلة «المصور» التي تصدر كل أربعاء بالقول: «ولو لم تصدر قرارات زيادة أسعار الوقود لكان هناك قبول من الأغلبية لقرار تحرير الجنيه المصري، لأن الجنيه كان في الواقع معوما. وإزاء هذا فإنني أكتب هذا المقال من منطلق وقفة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يبني عليه المصريون آمالا كبيرة، وقفة مع الرئيس حبا من المصريين له أملا في مزيد من العدالة الاجتماعية وضرب المستغلين والمحتكرين، مزيد من العدالة الاجتماعية بالوقوف مع الفقراء حتى يحصلوا على حقوقهم في هذا الوطن، وكذلك الطبقة المتوسطة، وقفة مع الرئيس حتى تحصل الدولة على حقوقها من الأغنياء الذين ينفقون بلا عقل، دون أن يفكروا في الوفاء بحقوق الوطن التي كفلها القانون، وقفة مع الرئيس ليشعر بارتفاع الأسعار التي تشهدها الأسواق الآن، والتي تشكو منها الأغلبية من المصريين، خاصة الفقراء والطبقة المتوسطة. وقفة مع الرئيس لتعود البهجة إلى المصريين الذين يقولون لرئيسهم البطل إن القضية ليست أرقاما في أرقام رغم أهميتها. سيدي الرئيس المصريون لا يزالون يريدون من يحنو عليهم، نعرف أنكم تخوضون معارك ضخمة وضغوطا سياسية صعبة، ونعرف أنكم أقوى من تلك الضغوط وأنكم لن تورطوا مصر وجيشها في أي صراعات خارج مصر، وأنك على عقيدتك بأن الجيش المصري لن يشارك في أي حروب خارجية مهما كانت الضغوط. سيدي الرئيس نعرف أن مصر لن تركع ولن تنكسر في ظل قيادتكم لهذا الوطن، سيدي الرئيس أضرب الفساد بكل صوره والشعب يساندك. أضرب رموز الاحتكارات دون رحمة. سيدي الرئيس إذا كنا نتحدث عن وقفة بعد تلك القرارات الصعبة، لأن الشعب المصري ينتظر بعد تلك القرارات الصعبة منكم القرارات السهلة التي تنهي حالة الغضب التي يعيشون فيها، القرارات السهلة التي تحقق العدالة الاجتماعية وتنعش الاستثمار وتضع مصر في دائرة التصنيع والصناعات التصديرية وما يتبع ذلك من حل مشكلة البطالة. سيدي الرئيس إذا كنت تخوض معركة المشروعات القومية فالمصريون يطلبون منك أن تخوض معهم معركة الحياة اليومية».

أصحاب الدخول المحدودة هم المتضررون

ومن غالي محمد إلى جريدة «الأهالي» لسان حال حزب التجمع التي تصدر كل أربعاء ورئيس مجلس إدارتها زميلنا وصديقنا نبيل زكي وقوله في عموده «عاجل للأهمية»: «الآن يفقد أصحاب الدخول المحدودة والثابتة نصف قيمة ما يحملون معهم من نقود، ونصف مدخراتهم إذا كانت لهم مدخرات، ونصف قيمة أجورهم الحقيقية. وبعد ذلك كله تقول لنا الحكومة إنها رفعت نصيب الفرد في بطاقات التموين من 18 جنيها إلى 21 جنيهاً شهريا (أي 3 جنيهات فقط) وتتجاهل هذه الحكومة أن هناك حوالي سبعة ملايين موظف حكومي مسؤولين عن إعالة 20 مليون آخرين. كما تتجاهل أن سياساتها وعدم التزامها بالدستور كانت نتيجتها أن أرباب الأسر أصبحوا يتحملون نفقات باهظة في التعليم والعلاج الطبي، رغم أن الدستور ينص على أن التعليم مجاني والتأمين الصحي الشامل لكل أفراد المجتمع حق مكفول للمواطنين. وتعرف الحكومة سلفاً أن أي زيادة في أسعار الوقود تعني ارتفاع تكاليف النقل مما يؤدي إلى مزيد من ارتفاع الأسعار».

الجميع في مركب واحد

ومن «الأهالي» إلى «أخبار» أمس الأربعاء ورئيس تحريرها الأسبق زميلنا وصديقنا جلال دويدار وقوله في عموده اليومي «خواطر» مطالبا بالتعاون بين الجميع لعبور الأزمة: «كل الأطراف الذين لهم صلة بمنظومة الأسعار التي من المؤكد أنها ارتفعت وسوف ترتفع، مطالبون بأن يكونوا على مستوى المسؤولية الوطنية حتى يتحقق العبور بسلام من هذه المرحلة. عليهم أن يؤمنوا بأننا جميعا في مركب واحد، وأن أي خلل أو سلوك غير منضبط سوف يؤدي إلى غرقها بكل ما فيها ومن عليه، وهم من بينهم. ليس مطلوبا منهم سوى مراعاة حساسية هذه المرحلة وأن يتذكروا الله في كل ممارساتهم وأن يلتزموا الضمير في معاملاتهم حتى لا يكونوا سببا في زيادة معاناة المواطنين. لا يخفى على أحد أن السياسات التي تم الإقدام عليها لعلاج أوضاعنا الاقتصادية المزمنة قد اتسمت بروح التحدي من جانب الدولة، المصحوبة بالثقة في الشعب واستيعابه للدوافع الملحة التي أجبرتها على سلوك هذا الطريق. إننا وتجاوبا مع سمو الهدف الذي صدرت من أجله قرارات الإصلاح الاقتصادي التي لم يكن هناك مفر من اتخاذها، علينا أن ندرك حجم التداعيات التي كان علينا مواجهتها والتي تتمحور بشكل أساسي في إعلان إفلاسنا».
غياب الكفاءات

ومن دويدار و«الأخبار» إلى «الشروق» في اليوم نفسه ورئيس تحريرها زميلنا وصديقنا عماد الدين حسين وقوله في عموده اليومي «علامة تعجب»: «وأخيرا اتخذت الحكومة القرارات الصعبة والمؤلمة والموجعة وعومت الجنيه ورفعت أسعار الوقود وفرضت ضريبة القيمة المضافة، إذا كانت الحكومة حققت ما أرادت، وتحمل الشعب أو غالبية المواطنين الأمر طائعا أو مكرها فالسؤال الجوهري هو: هل ستتمكن هذه الحكومة أو الأجهزة المنوط بها تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والعبور بالبلد إلى بر الأمان من عنق الزجاجة الصعب الذي انحشرنا فيه؟ بالطبع كل عاقل وسوي ووطني يتمنى أن تنجح الحكومة، لأن فشلها، لا قدر الله، سيدفع ثمنه الجميع، سيقول البعض إن ما حدث قد حدث وصار من الماضي، وبالتالي علينا أن ننظر للمستقبل، حسنا لنفعل ذلك لكن شرط ألا نكرر ما حدث في الماضي ونعيد استنساخه. هناك ما يشبه اليقين بأن أخطر مشكلة تعاني منها مصر الآن هي غياب الكفاءات في معظم المجالات، أو لنكن أكثر دقة عدم القدرة على الوصول لهذه الكفاءات. ظني الشخصي أنه بدون القدرة على بناء فريق قيادب حقيقب في سائر المؤسسات والهيئات يتمتع بالكفاءة والإبداع والقدرة على الخيال فإن المستقبل سيكون صعبا».

عدم وجود خريطة واضحة للفقراء

ونظل في عدد «الشروق» نفسه لنكون مع زميلنا سامح فوزي وقوله متعجبا في عموده اليومي «نوافذ» عن عدم وجود خريطة واضحة للفقراء في مصر: «القرارات الصعبة التي قررت الحكومة اتخاذها يوم الخميس الماضي، والتي وصفها البعض بعملية جراحية وآخرون بإصلاحات مؤلمة تخفي حقيقة مهمة أكثر إيلاما، أن هناك قطارا يمضي في طريق يتباطأ حينا ويتسارع أحيانا، لكن لا نعرف بالتحديد طبيعة ركابه، هذا هو الحال بالفعل. قرارات تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار والرفع الجزئي للدعم عن البنزين، وما قبلهما من قرارات زيادة فاتورة استهلاك الكهرباء، ورفع رسوم بعض الخدمات إلخ، كل ذلك من قرارات لا نعرف تحديدا تأثيرها على المواطن، لأننا لا نعرف ببساطة الخريطة الاجتماعية للمجتمع المصري معرفة جيدة، لا نعرف حجم الفقر وعدد الفقراء، لا نعرف بدقة الفئات التي تستحق الدعم أو شبكة الأمان الاجتماعي، والسبب أنه ليست لدينا معلومات دقيقة أو مسوح يمكن الاعتماد عليها، أو بحوث اجتماعية جادة مثلما يحدث في دول العالم المتقدم، وبالتالي فإن الحديث عن وصول الدعم لمستحقيه شعار جميل يفتقر إلى آلية تحقيقه، هل الفقراء هم من يسكنون العشوائيات؟ غير صحيح هناك من بينهم فقراء وهناك من بينهم بالمناسبة أغنياء لكنهم يفضلون لأسباب عديدة سكنى العشوائيات، هل الذين يعملون في القطاع غير الرسمي فقراء «أعني كل من ليس مؤمنا عليه أو غير معروف نشاطه الاقتصادي»؟ بالطبع لا، هناك من يبحث عن قوت يومه وهناك من هم أغنياء يتكسبون بدون أن يدفعوا ضرائب أو خلافه، ويقدر البعض تعدادهم بما يزيد عن ستة ملايين شخص، من حق الناس أن تتساءل وتقلق ويعتريها الغضب لأنها لا تعرف ولا تشارك وتجد نفسها دائما في موقع «المفعول به»، ومما يزيد من حيرتها التصريحات المتضاربة التي تصدر عن لسان المسؤولين والوعود الفضفاضة وغياب الشفافية بينما يجدون الواقع يتغير من حولهم، ولعل آخرها كلام وزير الصحة أن أسعار الأدوية لن تتأثر بتحرير سعر الصرف هل هذا ممكن أو حتى معقول؟».

عدم انضباط سوق الصرف

وإلى المتخصصين من أهل الاقتصاد حيث عقدت مجلة «المصور» ندوة شارك فيها عدد منهم حيث قال الدكتور مصطفى السعيد وزير الاقتصاد الأسبق في عهد الرئيس حسني مبارك: «دعنا نتساءل عن الجانب الخاص بسعر الصرف ونتساءل لماذا تحدث مشكلات في سعر الصرف؟ ولماذا سعر الصرف غير مستقر بالنسبة للاقتصاد المصري؟ فنجد أن هناك سببين أساسيين، الأول نتيجة للتطورات التي حدثت في الخمس السنوات الأخيرة، فالتوازن بين العرض والطلب للنقد الأجنبي اختل بسبب السياحة والاستثمارات وضعف التصدير، ومثل هذا الأمر لابد أن يحدث ضغوطا على سعر صرف الجنيه المصري. والسبب الثاني أن هيكل سوق الصرف نفسه عبارة عن جهاز مصرفي وبنك مركزي من ناحية، وسوق سوداء. هاتان الجهتان تتنافسان على مصادر للنقد الأجنبي وبالتالي السوق السوداء حتى تحقق مكاسب أكثر يهمها أن تستحوذ على نصيب أكبر من النقد الأجنبي الداخل للاقتصاد المصري، وسيلتها إلى هذا أن ترفع السعر عن الجهاز المصرفي. والجهاز المصرفي يجد أن السعر المعلن أقل بكثير من سعر السائد في السوق ويحاول أن ينهض بهذا السعر. من عام 1982 وقت أن كنت وزير اقتصاد وما زال هذا قائما إلى الآن، فهيكل سوق الصرف يعاني من عدم انضباط، وفي الفترة الأخيرة نشط سوق الصرف الموازي والجهاز المصرفي بما يفقد موارده، وفي الوقت نفسه السبب الأول قائم وهو عدم التوازن بين العرض والطلب والسوق الموازية استغلت هذا الوضع بما اضطر القطاع المصرفي غلى أن يلاحق السوق الموازية».

لا عقول نيرة في المجال الاقتصادي

أما الدكتور علي عبد العزيز أستاذ الاقتصاد في الجامعة البريطانية فقال في ندوة «المصور»: «كما تحدث الدكتور مصطفي السعيد، هذا قرار صعب وربما ليس أفضل قرار، ولكنه قرار أفضلية ثانية، لكنني أرى أن الحكومة ليست لديها أي حلول غيره، وربما الحكومة لا تملك تصورا شاملا لحل مشكلة الاختلال في سعر الصرف، وهو أحد صور الاختلال. لدينا أيضا مشكلة في عجز الموازنة وميزان المدفوعات ولدينا مشكلة في توزيع الدخول ولدينا مشكلات أيضا في التضخم الذي يحدث، وأيضا البطالة. فالحل لابد أن يكون شاملا لحل كل هذه المشكلات، وسعر الصرف هو أحد هذه الوجوه وما هو إلا مرآة للمشكلات الموجودة. والمشكلة الأهم في رأيي ليست العجز في ميزان المدفوعات لكن الأهم هي مشكلة عجز موازنة الدولة وتفاقم الدين العام، وهذه مشكلة متواجدة معنا منذ 50 سنة، ومن ينظر إلى الأرقام يراها كبيرة جدا ومعدلات الزيادة كبيرة جدا في العجز. والدين العام زاد العام الماضي بـ23٪ في عام واحد بينما الناتج المحلي الإجمالي زاد بنسبة 4٪ يعني هذا أن الحكومة ليس لديها تصور واف لكيفية القضاء على هذا الدين أو معالجته، هذه هي المشكلة الكبرى التي ترهق مصر والتي كان لها تاريخ أسود في المديونية، ونحن بسبب المديونية وقت الخديوي إسماعيل وبسببها تدخل الأجانب في شؤوننا بكل الأشكال وبعدها تم احتلالنا، وبسبب المديونية سعر الصرف انهار مرتين أولها في التسعينيات والثاني في بداية عام 2000 وعني ذلك أننا بحاجة إلى تصور ورؤى كاملة لحل هذه المشكلة، وأنا لا أرى العقول النيرة في المجال الاقتصادي التي تدير الاقتصاد المصري أو تقدم المشورة للخروج مما نحن فيه، وكل ما نراه على الساحة إما لأشخاص تجتهد أو أشخاص غير متخصصة في الاقتصاد، محاسب مهندس إنما لو نظرنا إلى دور جمعية الاقتصاد والتشريع ودور الاقتصاديين الكبار فغير موجودين».

محاذير يجب الانتباة لها

ونشرت «الوطن» أمس حديثا مع الدكتور محمد البنا أستاذ الاقتصاد في جامعة المنوفية أجراه معه زميلنا سيد جميل قال فيه: طبقت مصر نظام سعر الصرف المدار لفترة طويلة، ونظرا للظروف الاقتصادية التي مرت بها البلاد خلال السنوات الخمس الماضية فقد شهد سعر الجنيه تراجعا مستمرا، ما أثر عكسيا على الأداء الاقتصادي وأدى إلى تقليل تدفق التجارة الدولية والاستثمارات الأجنبية المباشرة على وجه الخصوص. وفي ظل هذه الظروف التزمت السلطات النقدية بالتدخل في أسواق الصرف الأجنبي مع وجود دعم سخي من دول الخليج، وتوفر قدر مناسب من الاحتياطات الأجنبية استخدمت جانبا كبيرا منه في محاولة لتثبيت قيمة الجنيه عند السعر الرسمي 888 جنيها للدولار الواحد، واستطاعت الحد من تقلبات سعر الصرف في الأجل القصير، ولكن دون أن تعمد إلى التاُثير على اتجاه سعر الصرف في الأجل الطويل، ورغم المصاعب التي واجهتها في إدارة هذا الوضع بحسب قدرتها، فإن الدولة حققت معظم المكاسب التي كان يمكن تحقيقها في ظل سعر الصرف الثابت، وفي الوقت نفسه امتلكت المرونة في معالجة العجز في ميزان المدفوعات. تستهدف الحكومة من رفع سعر الفائدة الحقيقي وهو ما يمثل سياسة نقدية تقييدية، أي انكماشية. زيادة الطلب على العملة الوطنية وتقليل الطلب على الدولار ومن ثم تقوية الجنيه في حين تطبق الحكومة سياسة نقدية تقييدية فترفع سعر الفائدة الحقيقي، ومن ثم فإنها تجعل من الأصول المالية المحلية مثل السندات أو الشهادات الادخارية جاذبة أكثر للمستثمرين الماليين، سواء الأجانب أو المصريين، ما يزيد من طلب الأجانب على الجنيه، أي يزيد عرض الدولار ويؤدي إلى تفضيل المصريين للأصول المالية بالجنيه، أي يقل الطلب على الدولار، وبالتالي يحول دون انخفاض قيمة الجنيه، بل قد ترتفع. من ناحية أخرى يعد سعر الصرف المرن قناة أخرى للسياسة النقدية تقوي من تأثير سعر الفائدة الحقيقي، فإذا أدى رفع سعر الفائدة إلى رفع قيمة العملة الوطنية فمعنى ذلك أن السياسة النقدية التقييدية سوف تقلل من صافي الصادرات، حيث تزيد الواردات وتقل الصادرات مع قوة العملة، أضف إلى ذلك تأثير السياسة النقدية التقييدية على تخفيض الاستهلاك والاستثمار، نتيجة ارتفاع سعر الفائدة الحقيقي وهي محاذير يجب التعامل معها حتى لا يقع الاقتصاد المصري في هوة الكساد، محاذير يجب الانتباة لها».

البديل الأسوأ

أما آخر المتخصصين فسيكون أستاذ الاقتصاد ووزير التموين الأسبق وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع اليساري الدكتور جودة عبد الخالق الذي نشرت له «المصري اليوم» أمس الأربعاء حديثا على صفحة كاملة أجراه معه زميلنا طارق صلاح ومما قاله فيه عن تعويم الجنيه: «بكل صراحة ما حدث كان مفاجأة كبيرة لي، حيث أن قرار البنك المركزي بتعويم الجنيه يعني عدم تدخل البنك في سعر الصرف، وترك الموضوع لآلية السوق لتحديد السعر على مدار الساعة، وهذا الوضع من وجهة نظري اختيار ليس الأفضل، بل أعتبر أن الحكومة قامت باختيار البديل الأسوأ، فضلا عن أن القيمة المضافة وهي الضريبة غير المباشرة أيضا أعتبرها ضريبة رجعية يقع عبئها على الفئات الأقل دخلا، لأنها ترفع الأسعار عموما، وهي سياسات ليست جيدة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، التي أدت إلى زيادة عجز الموازنة والتضخم. كانت هناك حلول أفضل من التعويم الكامل للجنيه مثل التعويم المُدار الذي يتم عن طريق وضع حدين لسعر الصرف «حد أدنى وحد أعلى» ويتم التحرك فيما بينهما وتتدخل الدولة عند اقتراب السعر من هذين الحدين. والمقصود بالتعويم المدار استهداف سعر الصرف للعملة مع التدخل للحفاظ على سعره في مدى معين ويهدف هذا الحل إلى وجود مرونة تتمكن من السيطرة على حالة الارتباك التي عليها سعر الصرف. أما في التعويم الكامل فلا يمكن للبنك التدخل وفقا لآلية الإنتر بنك وتفقد السيطرة تماما على السعر وتتحول البنوك إلى وسيط فقط. أما في المدار فهناك سيطرة على سعر الصرف الذي أشبهه بإشارة المرور التي إذا حدث فيها ارتباك ستكون العواقب وخيمة جدا. وبالمناسبة فإن هذه الطريقة لن تجلب الاستثمار الداخلي ولا الخارجي لأنها ستؤدي إلى مزيد من ارتفاع سعر الصرف».

تحفيز الاستثمار

وإلى صاحب القرارات نفسه وهو الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي قال عن القرارات أثناء لقائه وفد مجلس الشيوخ الفرنسي نقلا عن تحقيق زميلتنا الجميلة في «الأخبار» عبير فتحي: «كما ذكر السفير علاء يوسف أن الرئيس استعرض خلال اللقاء مُجمل التطورات الاقتصادية والسياسية على الساحة الداخلية، حيث أشاد سيادته بشكل خاص بزيادة وعيّ الشعب المصري وإدراكه لأهمية مشاركته في تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد، والتطلع لمستقبل أفضل لاسيما في ضوء الجهد المبذول على مدى العامين الماضيين لمواجهة المشكلات المختلفة، مثل إنشاء مئات الآلاف من الوحدات السكنية الجديدة وتطوير العشوائيات وغيرها. كما أكد حرص الحكومة في الوقت ذاته على اتخاذ مزيد من الإجراءات للتوسع في برامج وشبكات الحماية الاجتماعية وتوفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة للتخفيف من تبعات القرارات الاقتصادية الأخيرة على محدودي الدخل والفئات الأكثر احتياجًا. كما تطرق الرئيس إلى الخطوات التي تتخذها الحكومة من أجل تحفيز الاستثمار وتوفير مناخ جاذب له».

معارك وردود

وإلى المعارك والرودود المتنوعة التي بدأها أمس زميلنا في «المساء» رئيس تحريرها الأسبق محمد فودة في عموده «من الواقع» عن ثورة الغلابة غدا الجمعة وقال إنها ستمر عادية ولكنه حذر مما بعدها قائلا: «إنهم يعلمون أن أفراد الجيش والشرطة أيديهم على الزناد للانتقام من محاولاتهم، ولذلك فإنني أكرر أن يوم الجمعة المقبل سيمر كبقية الأيام دون جديد، ثم يؤجلون تحركهم لما بعد هذا اليوم بعدة أيام وربما في اليوم التالي أو يستغلون مباراة مصر وغانا التي يتجمع فيها حشد كبير من المشجعين ويحاولون تنفيذ مخططهم فيه، بعد الاستنفار الكبير الذي استعدت به قواتنا يوم 11 / 11. إننا لا نأمن مكر هؤلاء المخططين والمدبرين ليضربوا ضربتهم ولذلك نقول لقوات الجيش والشرطة ومعهم جموع الشعب لا تتراخوا».

امتصاص الغضب

وثاني المعارك ستكون من «الأخبار» أمس الأربعاء التي نشرت حديثا على كامل صفحتها التاسعة مع الأستاذ في كلية الطب في جامعة القاهرة وعضو لجنة السياسات في الحزب الوطني الدكتور حسام بدراوي أجراه معه زميلنا حسين رمزي ومما قاله فيه: «الحكومة لا تتحدث بشكل كاف مع المواطنين، ولا تواجه المواطن بشكل مناسب ولا أرى المسؤولية التضامنية بينهم. قد أكون مخطئا ولكن هذا ما يراه المواطنون من الخارج. وليس على الحكومة امتصاص الغضب فقط قبل أن ينفد صبر المواطنين من الأزمات، سواء زيادة الأسعار وغيرها التي يتعرضون لها مقارنة بقدراتهم، ولكن عليها إنهاء أسباب الغضب من الأصل، وأنا أرى المواطن الصالح احيانا وكل ظهره للحائط. ما يلمسه أحيانا من عدم كفاءة في مؤسسات تقديم خدماته أو الرقابة عليها ولأنه مواطن صالح تقف حدوده في الشكوى عند عدم انهيار الدولة حال مواجهتها، وفي الوقت نفسه قلقه واحيانا غضبه الذي يجب التعبير عنه في إطار الشرعية. إن المشروعات القومية مهمة جدا. وبناء البنية التحتية للدولة أساس لتدفق الاستثمار والتنمية ولكنها لا تلبي احتياجات الشارع بشكل مباشر، ولذلك على الحكومة أن تكون دائما على اتصال مع المواطن وتبني ثقتهم فيها وتشرح أهدافها والخطط الزمنية لأنها لن تنجح إلا بتكاتف الشعب وعليها أن تزيد كفاءة عملها وتتواصل مع المواطنين».

العملة الوطنية جزء
لا يتجزأ من السيادة الوطنية

وإلى «أهرام» أمس وزميلنا وصديقنا جمال زايدة أحد مديري تحريرها وخوضه معركة ضد أصحاب المدارس والجامعات الخاصة التي تتعامل بالعملات الأجنبية فقال مهاجما: «في وسط عاصفة تحرير سعر الصرف ورفع الدعم وإعادة الاقتصاد إلى الوضع الطبيعي وإصلاح السياسات النقدية والائتمانية، تعالت صرخات الآلاف من الأمهات والآباء الذين اضطروا إلى إلحاق أبنائهم بمدارس أجنبية، من ضرورة تسديد الرسوم الدراسية لابنائهم وبناتهم بالدولار، بعض المدارس في مصر، وهي بالمناسبة لا علاقة لها ببعثات دبلوماسية، تطلب 11.5 ألف دولار للطالب في العام الدراسي الواحد، أي نحو 190 ألف جنيه بسعر الصرف الحالي، وهي قضية بالغة الخطورة للاعتبارات التالية، أولا: العملة الوطنية هي جزء لا يتجزأ من السيادة الوطنية، هي مثل العلم لا يجوز التعامل بغيرها، وهو ما يحدث في كل بلاد العالم. ثانيا: تقاضي رسوم المدارس أو غيرها من الشركات بالدولار بدلا من الجنيه سوف يغذي السوق السوداء مرة أخرى. ثالثا: كيف تسمح وزارة التعليم بهذه الفوضى الضاربة في المدارس الخاصة. وللعلم التعليم الأساسي حتى الثانوي هو التعليم الحكومي في كندا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة واليابان» .

«حال الإعلام المايل»

أما زميله أشرف مفيد في العدد نفسه من «الأهرام» فقد ترك أصحاب المدارس الأجنبية والتفت إلى أصحاب القنوات الفضائية وقال عنهم: «عجيب أمر تلك «الشلة» من «بعض» رجال الأعمال والإعلاميين الذين يسيطرون على عدد ليس قليل من وسائل الإعلام، فقد ظلوا خلال السنوات الأخيرة من عهد مبارك ينتظرون الفتات من الحرية التي كانوا يستقبلونها بترحاب شديد، على الرغم من أن هذه «الهبة» الرئاسية لم تكن من أجل «سواد عيونهم» وإنما كانت مجرد إجراء «شكلي» تتباهى به الدولة بين الأنظمة الحاكمة في البلدان المجاورة. أما الآن وبعد أن أصبح الإعلام يتمتع – بالفعل- بهذا القدر «المعقول» من حرية الرأي فقد اختلف الأمر تماماً حيث نجد بعض وسائل الإعلام ـ بتحريض من أصحابها ـ تطل علينا كل يوم بموضوعات «منفلتة» تتعمد من خلالها تشويه صورة الدولة والتقليل من حجم ما يجري تنفيذه من مشروعات كبرى، وهو أمر يدفعني إلى القول بأننا أصبحنا نعيش حالة من «الجحود» ونكران الجميل، فإذا كانت الدولة قد أعطت الإعلام هذا القدر من الحرية أليس من الطبيعي أن يتم استثمارها في الارتقاء بمستوى المهنة بدلاً من إطلاق سهام النقد العشوائي والتجاوز في حق الدولة، بل وفي حق الرئيس شخصيا بشكل غير لائق و«ببجاحة» غير مسبوقة كل ما أخشاه أنه إذا استمر هذا الحال «المايل» قد «يضيق الصدر».

الفتاوي

وإلى الفتاوي الخاصة بالأزمة وارتفاع الأسعار وهل يجدر بالحكومة وضع تسعيرة للسلع وهو سؤال في صفحة «أسألوا أهل الذكر» في جريدة «عقيدتي» الدينية التي تصدر كل ثلاثاء وجاء فيها: «أكد الدكتور مسعد الشايب باحث الدعوة في ديوان عام وزارة الأوقاف أنه لم يثبت أن النبي «صلى الله عليه وسلم « قد وضع تسعيرة جبرية لأصحابه فعن أنس بن مالك «رضي الله عنه» قال الناس يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا. فقال رسول الله «صلى الله عليه وسلم « إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وأني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال» رواه أصحاب السنن إلا النسائي. وعن أبي هريرة «رضي الله عنه» أن رجلا جاء فقال يا رسول الله سعّر فقال، «بل أدعوه». ثم جاءه رجل فقال يا رسول الله سعّر فقال «بل الله يخفض ويرفع وأني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة». رواه أبو داود. وليس معنى ذلك أنه لا يجوز في الإسلام أن نضع تسعيرة جبرية للأسعار عند الغلاء الفاحش الذي يصنعه التجار ويتضرر منه عوام الناس ومحدودو الدخل وعند الحاجة إلى ضبط الأسواق فهذا لا يخرج عن الإسلام في شيء والنبي «صلى الله عليه وسلم « إنما ترك وضع التسعيرة لأن غلاء السعر وقتها كان طبيعيا بسبب قلة السلع، وليس مصطنعا كما في عصرنا اليوم بسبب الاحتكار والتهريب للسلع ولكل ما يحتاج إليه المواطن، ولم يتضرر ساعتها من غلاء السعر إلا رجل أو اثنان. ولو ثبت أن الضرر كان عاما بسبب تلاعب التجار لوضع النبي «صلى الله عليه وسلم « تسعيرة جبرية ليزيل الضرر عن الناس».