سمير عطا الله

 كنت قد أعددت مقالاً من حلقتين عن انتخاب دونالد ترامب، نشرت الأولى منهما أمس. وبعدما قرأت مقالة الأستاذ عبد الرحمن الراشد صباح الخميس، قررت إلغاء الجزء الثاني، ليس لأن الكاتب الكبير أقنعني بمزايا ترامب في بضعة سطور وجعلني أندم على كل ما كتبت، فإن موقفي من الفظاظة والتهور والغضب العصابي وفجاجة الألفاظ ومخاطبة الغرائز، لن يتغير بعد كل هذه السنين.
ما أشعرني بالحرج، وربما بالخجل، هو التعقّل المهني الذي لم يعرف معظمنا الالتزام به. في معارضتنا لهوائج ترامب، استخدمنا شيئًا من تعابيره وأسلوبه. ومن خلف مكاتبنا، أو من خلف ظهورنا، قضينا في نتائج الانتخابات الأميركية سلفًا، كأنها قلم اقتراع في القرية، معروف فيه انتماء الناخبين ما بين أهل الحارة الفوقا وأهل الحارة التحتا.
وفي مهنة الصحافة، لا يجوز استخدام أدوات الجزم. فقد جزم بعضنا بسقوط مرشح مؤهل للسقوط، لكن ملايين الأميركيين المعنيين مباشرة بالأمر، كان لهم رأي آخر وموقف آخر. وهم من يحسم في الفوز أو في الخسارة، وليس نحن. وقف كبار الكتّاب في الولايات المتحدة حتى اللحظة الأخيرة ضد ترامب، وتمنوا سقوطه ودعوا إلى انتخاب المرشحة الديمقراطية، المناقضة لأسلوبه وشعاراته. لكن أحدًا من هؤلاء لم يغامر بكلمة واحدة عن سقوط، أو فوز. ودعك من الاستفتاءات والتوقعات، فإنها تخطئ أحيانًا كثيرة في قراءة عقول الناس وأمزجتها.
الزميل هشام ملحم من أبرز وأقدر المراسلين العرب في واشنطن. وبسبب حسّه النخبوي، وصف ترامب في البداية بـ«المهرج». وكتبت يومها أرد عليه، أن ذلك لا يجوز مهما كان حقيقيًا. فالملايين الذين يسيرون خلفه، لا يرون ذلك أبدًا، وفي النهاية هم الذين سيقررون لأميركا من يكون رئيسها.
سوف نعيد النظر تبعًا لنصيحة الأستاذ الراشد، لكنني لا أشاركه تفاؤله. أنا لا أعتقد أن الطباع تتغير مهما كانت أميركا دولة مؤسسات، ما دام الرئيس هو الوجه الأخير للسياسات. لم يغير شيء في خواءات جورج دبليو بوش. ولا غيرت مأساة في بلادة باراك أوباما. ومع ذلك، فقد تعلمنا مذ كنا ناشئين ومبتدئين، أن أدوات الجزم ممنوعة في الصحافة.