خالد عباس طاشكندي

تأثرت وسائل الإعلام العربية والمحلية بشكل غير مسبوق بالحملة الإعلامية القوية لمرشحة الحزب الديموقراطي في الانتخابات الأمريكية هيلاري كلينتون، وانساقت خلف استطلاعات الرأي والانحياز المبالغ فيه الذي طرحته شبكة قنوات CNN وABC، CBS، NBC، MSNBC، فهذه كلها قنوات ليبرالية ترتبط بالحزب الديمقراطي وتعمل لمصلحته، أو ربما تبنت بعض وسائل الإعلام العربي موقفا مضادا لمرشح الحزب الجمهوري الذي أثار الرأي العام منذ مطلع حملته الانتخابية بتصريحاته السلبية، وهو ما انتهى بدرس قوي وقاسٍ لوسائل الإعلام التي فشلت في قراءة وتحليل الأحداث الانتخابية وظهر الكثير منها

 بانحياز ساذج تجاه الحزب الديموقراطي لدرجة أن بعض الصحف التي طبعت قبل سويعات قليلة من إعلان النتيجة النهائية غامرت وأعلنت بشكل شبه مباشر فوز كلينتون.

أعتقد أن هناك العديد من الدروس المستفادة هذه المرة لوسائل الإعلام المرئي والمقروء التي تلقت صفعة قوية بمفاجأة فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، وأول هذه الدروس هو أن المبادئ والقيم الإعلامية التي تدرس في كليات الإعلام حول وجوب حياد الإعلام والتوازن في تغطية الأحداث المختلفة‏، هي في الحقيقة لا وجود لها في الإعلام الأمريكي.

ومن يريد أن يفهم تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للأحداث فيجب عليه أن يدرك ما هي انتماءاتها السياسية والأيديولوجية، وهي الانتماءات التي تشكلت بناء على مصالح ملاك هذه الوسائل ومموليها، وهذا ليس مجرد كلام ينثر على صفحات الجريدة بل هناك دراسات بحثية معمقة في أرقى الجامعات الأمريكية حول تضليل وسائل الإعلام الأمريكي للمشاهدين وانحيازها لتحقيق مصالح محددة، ففي دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2008 حول الجودة في الصحافة والإعلام أشارت النتائج إلى أن التغطية الإخبارية لقناة CNN تتسم بالانحياز وعدم الموضوعية، وأن خبرين من كل ثلاثة أخبار تذيعها القناة يحتوي على تحيز مكشوف.

وغاب أيضا على العديد من وسائل الإعلام العربي والمحلي أو تغافل البعض منها عن بعض الحقائق التاريخية حول الانتخابات، أولها أن كل مرشح من الحزبين الديموقراطي والجمهوري في كل الانتخابات الرئاسية يمتلك عادة فرصا متساوية، فالمنافسة عادة تنحصر على 3 أو 4 ولايات يقال عنها «متأرجحة» أي لا تميل كفتها لأي من الحزبين أما باقي الولايات فهي مقسمة بالمناصفة إلى ولايات جمهورية وديمقراطية، وغالبيتها ترشح ممثل الحزب بغض النظر عن الاختلاف معه، وهذا ما غاب عن الطرح، أما على صعيد الحقائق التاريخية فلم يسبق للحزب الديموقراطي أن استمر لأكثر من ولايتين متتاليتين سوى مرة واحدة في التاريخ، وكان ذلك في عهد الرئيس فرانكلين روزفلت الذي ترشح للرئاسة أربع مرات من 1933 إلى 1945 وكانت حالة استثنائية تاريخيا بسبب نجاحاته في تخليص الولايات المتحدة من الكساد العظيم، وهذه الحقائق كان من المفترض أن تعطي مؤشرا لوسائل الإعلام عن فرص المرشح الجمهوري دونالد ترامب التي استبعدت وغيبت بشكل مؤسف.

لذلك ظهر إعلامنا العربي بشكل سلبي وضعيف في تغطية انتخابات الرئاسة الأمريكية وسقط في فخ الإعلام الأمريكي الموجه، وكأنه لا يعرف أن وسائل الإعلام الأمريكية وقنواتها لها تصنيفها ومصالحها الخاصة، ولا تعبر عن الحقيقة المجردة..

وإذن.. ما يجب أن يدركه المشاهد أو القارئ في العالم العربي قبل أن يفرح لخبر، أو يحزن لآخر، أن يدرك من الآن فصاعدا أن المبادئ والقيم الإعلامية الفاضلة عن وجوب حياد الإعلام وموضوعيته والتوازن في تغطية الأحداث المختلفة‏، هي في الحقيقة تنظير لا وجود له في الإعلام العالمي، بل وربما لن نجده إلا في إعلام مدينة أفلاطون الفاضلة.