سعيد الحسنية 

في وقت يتخبط فيه العالم من شرقه إلى غربه في حروب دامية، يطل النجم الهوليوودي "ميل جيبسون" بفيلم ملحمي مؤثر يثبت من خلاله النهج الجيبسوني الذي طالما تميز به، فشكَّل صاعقة في عقول من توهم أن جيبسون قد أصيب بأفول سينمائي، وسرق بريق هوليوود بفيلمه "هاكسو ريدج".

وما لا شك فيه أن مادة الحروب في السينما تعتبر دسمة في وقت يسيطر فيه نزف الدماء والقتل، وإن ظهرت بعض الأفلام الغربية التي تتحدث عن الحروب العالمية والنازية وحتى بعضها تطرق إلى حرب العراق مثل فيلم "القناص الأمريكي" الذي يتناول قصة جندي أمريكي يدعى كريس، يلتحق بالبحرية ويصبح قناصا، ويتم إرساله للعراق للحرب هناك، الا أن الصبغة الجيبسونية اختلفت في فيلمه الجديد، فلقد حاول جاهدا أن ينشر السلام في رسالة الفيلم، أن ينزع فكرة القتل والدم ويزرع مكانها فكرة التوافق والمحبة.

يروي الفيلم قصة حقيقية لناشط يدعى ديزموند دوس (يجسد شخصيته أندرو جارفيلد)، يرفض مبدأ الحرب، ولم يسبق له أن حمل سلاحا من قبل، ورغم ذلك عمل على الخطوط الأمامية في معركة أوكيناوا في اليابان عام 1945، لكنه قام بإنقاذ 75 جنديا من زملائه، دون إطلاق رصاصة واحدة، كما خدم هذا الرجل، الذي كان ينتمي لطائفة بروتستانتية تُدعى "الأدفنتست" أو "السبتيون"، بجسارة خلال الحرب العالمية الثانية، في إطار سلاح الخدمات الطبية التابع للجيش الأمريكي.

الحروب مادة دسمة للسينما.

يظهر الفيلم إيمان البطل الذي لم يتزعزع منذ دخوله ميدان المعركة، وأثبت جيبسون عودته القوية التي دمج فيها بين الرعب والعنف والإيمان والصفاء، كما أظهر وبقوة صلابة عينه الإخراجية الثاقبة التي تأسر المشاهد بعمل متقن، حيث يعرف جيبسون متى يأخذ اللقطة المميزة، ومتى يتوقف، ومتى يسرح داخل ذهن المشاهد.

إبداع إخراجي

لا يخلو الفيلم من ابداع إخراجي عمل على تقديمه جيبسون بنفحة درامية، وتلعب الموسيقى دورا في دمج المشاهد بالمشاعر التمثيلية، فتشعر أنك في قلب المعركة، خاصة عندما يحاول دوس أن يساعد رفاقه ويخلصهم أثناء المعارك، فيتجلى أمامك عنف بنفحة إنسانية درامية قل نظيرها في أفلام هوليود.

ولطالما اعتاد محبو جيبسون على هذا النمط من الأفلام إن من ناحية الإخراج أو السيناريو، فلقد انتقل بين أفلامه من braveheart إلى Apocalypto وpassion of the christ بشجاعة، فكان قائدا يحارب واضعا الشرف أمام عينيه، ومن المعروف عن جيبسون تحفظه في الاشتباك مع العدو، فهو رجل مسالم، لكن عندما يضطر الأمر يحارب بنبل وشجاعة. وجاء فيلم هاكسو ريدج ليقدم صورة واضحة عن جيبسون، التي تتوجه بشكل مباشر إلى مشاهدين أكثر تحفظا.

خلل في السيناريو

أما السيناريو الذي كتبه أندرو نايت وروبرت شينكان فيلقط أنفاس المشاهد من بداية الفيلم إلى نهايتة حيث إنه لا يحتوي على فجوة تشتيت، وإن تحدث بعض النقاد عن خلل في المشهد الذي تم تقديم ديزموند إلى رفاقه في الفصيل، حيث اعتبر البعض هذا المشهد مضحكا كأنه مأخود من فيلم برودوي الكوميدي، وينتقل بطريقة سلسة وبسيطة من المعارك العنيفة إلى واقعة شهدتها الطفولة الرائعة التي عاشها دوس في أرياف فيرجينيا، عندما ضرب شقيقه بحجر في رأسه، ثم ذهب مسرعا – تملأه الخشية من أن يكون قد قتله – ليتفقد لوحة محاطة بإطار، كُتِبَ عليها "لا تقتل"، وهي إحدى الوصايا العشر. أما الحياة الرومانسية التي عاشها دوس فقد صوّرها الفيلم بأسلوب أكثر تقليدية وكلاسيكية. فمنذ اللحظة الأولى التي لمح فيها هذا الشاب ممرضة فاتنة (تجسد دورها تيريسا بالمر)، وهي تتألق كالملاك في زيها المُحكم التفصيل أبيض اللون المغسول بعناية، بدا واضحا لنا كمشاهدين، أنها ستثبت في نهاية المطاف، كونها مثله تماما في الإخلاص والحب والطهر.

وعندما يستمع المرء لإحدى عبارات التودد التي يتضمنها الفيلم، وهي تلك التي تخاطب فيها هذه السيدة حبيبها باسمه الكامل قائلة له "هل ستساعدني يا ديزموند دوس؟"، يبدو من المؤكد أن هذين الحبيبيّن صغيريّ السن قد باتا مرتبطيّن ببعضهما البعض. وفي ضوء كل ذلك، لن يكون من قبيل القسوة المفرطة أن نُطلق على الفيلم اسم "ريدج المبتذل" بدلا من اسمه الأصلي.

أما أجمل العبارات التي قيلت في الفيلم، فهي تلك التي قالها البطل -الذي يؤدي دوره آندروجارفيلد -حينما وقف مدافعا عن وجهة نظره دفاعا محموما مفعما بالإيمان أمام رؤسائه فيقول "الجميع مشغولون بقتل الأرواح، أما أنا فسأنقذ الأرواح".

تجدر الإشارة الى أن علاقة ميل جيبسون بهوليوود شهدت الكثير من التذبذبات، حتى أنه وصفها بـ "الكفاح من أجل البقاء" في إشارة ضمنية إلى تاريخ حافل بالصعود والهبوط لم يخل من تورط الرجل في عدة مشكلات بسبب حياته الشخصية وإدمانه الكحول.

لكن المؤكد أن فيلم "هاكسو ريدج" أعاد الى جيبسون مجدا وأملا في نيل جائزة الأوسكار لأفضل مخرج عام 2017، فهل ستكون من نصيبه؟ والسؤال الأهم، هل سيمتثل البعض إلى رسالة الفيلم القاضية بوقف استعمال السلاح والقتل في زمن داعشي كثر فيه الجور والظلم والاستبداد وأصبح الدم مرتوى لظمأ البعض والجثث قوتا لأعين مجرمة؟