ليون برخو

كيف يجوز أن يكتسح شخص انتخابات أعظم دولة في العالم وأكثرها ديمقراطية رغم هذا الكم من التوصيفات والأعمال السيئة وأحيانا البذيئة التي ألصقت به؟

يبدو أن دونالد ترمب، الرئيس الأمريكي المنتخب، قد دوخ الدنيا. كثيرون في العالم بأناسه العاديين وحكمائه وزعمائه ومفكريه ومشاهيره هم اليوم في صدمة كبيرة.

وربما أكثرهم صدمة هم الأمريكيون وعلى الخصوص إعلامهم الذي فرش الأرض بالورد لمنافسته هيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطي، وأظهرها وكأنها قاب قوسين أو أدنى للتربع على عرش البيت الأبيض.

من بين أشهر 100 صحيفة أمريكية لم تناصر ترمب غير صحيفة واحدة. وأغلب القنوات الإخبارية الشهيرة – عدا فوكس نيوز – وقفت بشكل مكشوف مع هيلاري كلينتون.

وكان دونالد ترمب هدفا لهجوم يومي في وسائل الإعلام في أمريكا. صب كبار كتاب الرأي في أمهات الصحف جام غضبهم عليه، وعروه وجعلوا منه خطرا لا بل شيطانا وشرا لا بد من إقصائه وعدم تمكينه من الاستيلاء على البيت الأبيض.

ووقف ضد ترمب ليس فقط مناصرو هيلاري كلينتون وحزبها ومعها ماكينة الإعلام الأمريكي الطاحنة، بل قسط لا بأس به من المؤسسة التي ينتمي إليها في الحزب الجمهوري إلى درجة أن كثيرا من زعماء هذا الحزب تبرأوا منه علنا ونددوا به.

وكأن هذا لم يكن كافيا حيث رأينا كيف أن ماكينة استطلاعات الرأي الأمريكية وبشكل شبه يومي كانت تحط من قدر ترمب وتجعل منه ومن حظوظه في الفوز مسألة شبه مستحيلة. وانهال كتاب الرأي في نيويورك تايمز وغيرها من كبريات الصحف وهم يحذرون من دونالد ترمب بعبارات ربما لم يستخدمها الإعلام الأمريكي لتوصيف هتلر وستالين وماو وغيرهم من الزعماء الذين مجرد ذكر اسمهم يثير الهلع في الغرب.

وحتى شخصيات هوليوود ومشاهير المطربين والفنانين وقفوا في صف كلينتون ومنهم – ولا سيما بعض الأسماء النسوية – قال إنه سيفعل أو ربما أدى دورا لا يمكن وصفه في صحيفتنا هذه نكاية بترمب ودعما لكلينتون.

وألهى الإعلام الأمريكي عن كل مكرمة ولا سيما مكرمة النزاهة والموضوعية وهو يؤلب الشارع ضد ترمب ويهدد بالويل والثبور وبما لا تحمد عقباه إن وصل إلى البيت الأبيض. وهدد كثير من الكتاب البارزين والشخصيات الكبيرة أنها ستغادر أمريكا أو تهاجر إلى كندا أو أي بلد آخر إن فاز ترمب.

إزاء كل هذه الهجمة الشرسة ومئات الملايين من الدولارات التي كانت تحت تصرف هيلاري كلينتون وفريقها، مضى ترمب في طريقه غير مكترث، واثق الخطى بأنه سيفوز في النهاية. ولم يبق ترمب مجموعة أو شخصا أو دينا أو بشرة أو مذهبا أو لونا يخالف ميوله إلا وهاجمه بأبشع الألفاظ ومعهم جزء من مؤسسة حزبه التي ناصبته العداء ولم يستثن الإعلام – العمل الذي لم يجرؤ أي مسؤول أمريكي وليس مرشح للرئاسة على القيام به.

وحدث ما لم يكن في الحسبان أتت الرياح عكس ما تشتهي السفن وغرق مركبهم. ولما بدا أن ترمب سينتصر ويصبح رئيسا لأمريكا عكس كل توقعاتها، طلبت جريدة «نيويورك تايمز» من كتاب الرأي فيها، وهم بالعشرات ومن أكثر المفكرين تأثيرا في أمريكا، كتابة مقال قصير تحت عنوان "ماذا حدث؟" كل كاتب كان يحاول تبرير موقفه السابق وتنبؤاته التي لم تتحقق وما هو القادم، منهم من وضع سيناريوهات لكوارث مرعبة.

شخصيا لم أتعجب ولم تأخذني الدهشة أو الصدمة. منذ البداية كنت أنظر إلى دونالد ترمب ليس كمرشح للحزب الجمهوري بل كظاهرة وحركة فكرية وسياسية وأيديولوجية واقتصادية – بمعنى آخر هذه هي أمريكا، أمريكا دونالد ترمب.

وخرج الناس أفواجا وزرافات في هذه الانتخابات وكأنهم معبأون وتم تجييشهم مسبقا كما يحدث في دول العالم غير الديمقراطية لتوصيل زعيم حركتهم إلى المنصب الأخطر في العالم.

ظاهرة أو حركة دونالد ترمب – الرئيس الأمريكي المنتخب – كانت في سبات وتحتاج إلى من يوقظها. ولهذا لم يكن ترمب في حاجة إلى الإعلام ولا إلى مئات الملايين من الدولارات لتوصيل نهجه. كل ما احتاج إليه كان هاتفا ذكيا يغرد من خلاله في "تويتر" متجاهلا كل الإعلام التقليدي وغيره وبضع عشرات من الملايين من ماله الخاص.

وضرب بالكياسة وأخلاق الخطابة عرض الحائط. الأطر الخطابية التي استخدمها كان لها وقع كبير على الشارع لأنها من الشارع.

كل ما تحتاج إليه لتكون شهيرا ومؤثرا وزعيما في الغرب اليوم هو مهاجمة العرب والمسلمين ودولهم وإلصاق الإرهاب بهم، وترمب عرف كيف يوظف هذا الأمر.

ومن ثم دغدغة مشاعر الناس من خلال تحدث لغتهم وجعلهم يدركون أن المؤسسة القائمة تستغلهم وتسحقهم لأغراضها الخاصة وهذا صحيح في أمريكا ولا أظن أنه سيتغير في عهد الرئيس المنتخب ترمب.

ترمب كان يتحدث وكأنه رجل عادي في شوارع ديترويت أو شيكاغو الخطيرة ولهذا تقاطر الناس حوله.

لسان حالي يقول إذا كان الأمريكان وإعلامهم المهول ومراكز دراساتهم التي تدعي أنه بإمكانها التنبؤ بالمستقبل بشكل دقيق ومراكز استطلاعاتهم التي تقول إنها تستند إلى أحدث الطرق العلمية والتكنولوجية التي لا تقبل الخطأ – إذا كان هؤلاء كلهم لم يحدسوا من هو دونالد ترمب وأن ثقافته هي السائدة في بلد العم سام فكيف بهم يعرفون من هم العرب والمسلمون وغيرهم من الأمم والثقافات والحضارات التي تختلف عنهم؟

كثير منا كان يتصور أن أصحاب العيون الزرق أفضل من يقودنا ويقود العالم. كم كنا مخطئين بعد أن ظهر أنهم لا يعرفون أي شيء حتى عن أنفسهم.