محمد آل الشيخ

 هذه هي أمريكا، تثبت دائماً أن سر تفوقها وعظمتها، تبدأ من قدرتها على التغير، وعدم البقاء والثبات والتكلس، في حين أن المتخلفين والمتأخرين والماضويين، يعتبرون أن الإصرار على الثبات والتكلس من صفاتهم التي يتمسكون بها تمسكهم بهويتهم الموروثة. عظمة أمريكا في أنها لا تنتظر الإذن من أحد لكي تتغير، ففي معايير ثقافتهم أن تقييم وإصلاح الذات الأمريكية أن تتغير وتتطور وتُجرب؛ فبقاء الماء كما هو عليه هو أول باعث على أن يكون آسنا متعفنا كما هي بعض الثقافات.

ترامب أصبح يوم الأربعاء الماضي رئيساً لأمريكا، وبتربعه على عرش سلطة أقوى دولة في أرجاء المعمورة، يعني أن فجرا جديدا أشرق على العالم، وعلى منطقة الشرق الأوسط بالذات، وأن ذلك الكابوس الأوبامي، والسنوات العجاف، التي تكللت بالدماء، واكتنفتها الثورات والزلازل والمحن، قد ولت وانتهت ببداية عهد ترامب الجمهوري. تاريخيا خلال العقود الثلاثة الماضية، كان ساسة الحزب الديمقراطي هم الأسوء لنا ولمنطقتنا، وتحديدا الرئيس أوباما، فقد كان هذا القادم والده من أدغال أفريقيا هو الأسوء بينهم على الإطلاق، ولا أعتقد أن أي رئيس سيأتي بعده سيكون سيئاً لمنطقتنا مثل هذا الرجل. وهو كما هو معروف المسؤول عن ما سماه الثوريون (الربيع العربي) المشؤوم الذي أدى، وما يزال، إلى كل هذه المآسي والفضائع والفتن، فهو وطاقمه السياسي كان بالفعل الأب الروحي له؛ كما تعمد عن سابق تصور وتصميم دعم التأسلم السياسي، المتمثل في (جماعة الإخوان)، معتبراً هذه الحركة الفاشية، والدموية، والإرهابية، والأممية، هي التي تمثل (الإسلام المعتدل)، وها نحن اليوم نجني مخرجات هذا الإسلام المعتدل، دماء وقلاقل، وموجات من اللاجئين، امتدت لتشمل حتى القارة العجوز (أوروبا). وهو - أيضا - من وقف مع لص بغداد، والباعث لأهم أسباب وجود داعش، أعني الرجل الخسيس الطائفي «نوري المالكي»، فقد انسحب من العراق، وسلمها له، ليسلمها بكل خسة إلى إيران لتحتلها. كما أن أوباما كان قد مكّن الإيرانيين من أن يكونوا القوة الضاربة في المنطقة، مع أنها دولة كهنوتية توسعية، تشعل النار في أي جزء من بلاد العرب تنوي استهدافه لتكبله بنفوذها.

لذلك فإن أول الخاسرين من فوز «ترامب» هم الأخونج رحم القاعدة وداعش، وكل حركات الإسلام المسيس العنيف، الذين كانوا ملء سمع أوباما وبصره طيلة سنوات حكمه، والداعم الرئيس والأول لهم. الخاسر الثاني، إذا لم يكن الأول، هم ملالي الفرس؛ فقد كرر الرئيس ترامب مرات ومرات أن أول ما سيفعله بعد استلامه للسلطة، تمزيق الاتفاق النووي مع إيران، الذي - في رأيه - لن يمنع هذا الغول الكهنوتي العنيف من امتلاك القنبلة النووية. وقد يرى بعض المحللين أن ما يقوله المرشح عادة لا يلتزم به بعد تسلمه للسلطة، وهذا قد يكون صحيحا في كثير من الوعود والمقولات، غير أن ما يتعلق بدعم الإسلام السياسي سنة وشيعة لا أعتقد إلا أنه سيفي بوعوده حوله؛ فلا يحتاج أي محلل موضوعي إلى كثير من العمق ليكتشف أن إطفاء الحرائق المشتعلة في منطقتنا تتطلب القضاء على أساس المشكلة، وهو القضاء على التطاحن الطائفي الذي تغذيه إيران الشيعية من جهة، وتغذيه جماعات الإسلام السياسي السنية من الجهة الأخرى.

ربما أن يكون لترامب بعض القناعات غير المريحة، والتي قد تصل إلى درجة (المساوئ)، غير أن فوزه في المحصلة هو في مصلحتنا بكل تأكيد.

إلى اللقاء