فهمي هويدي

هل يصح أن يقال إن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب صرح بأن الرئيس السيسي يعد مثلا أعلى له، بعد ما قدمه من أجل مصر وحربها ضد الإرهاب؟ السؤال ليس افتراضيا ولا أعرف مدى صحة المعلومة، لكن هذه الشهادة وردت على لسان أحد أعضاء مجلس النواب في سياق حوار بثته قناة «النهار» مساء يوم الأربعاء الماضي ٩/١١، وتناقلته مواقع التواصل الاجتماعي مقرونا بسيل من التعليقات اللاذعة والساخرة. ما ذكره صاحبنا لم يكن استثناء في التعليقات التي انطلقت في الفضاء المصري منذ أعلنت النتائج. وكان منها ما احتفى بفوز ترامب وأبدى ابتهاجا عبرت عنه صحيفة «الأهرام» الصادرة يوم الخميس، حين أبرزت الخبر على صدر صفحتها الأولى باللون الأحمر، ووضعت إلى جانبه خبرا آخر زف إلينا أن «السيسي أول المهنئين» للرئيس المنتخب. ولم يكن ذلك مقصورا على «الأهرام» وحدها، ولكن البهجة كانت واضحة فيما نشرته أغلب صحف الصباح التي عبرت عن الشماتة في هزيمة هيلاري كلينتون بدعوى أنها كانت منحازة إلى الإخوان، كما عبرت عن الحفاوة بترامب لأنه ضد الإسلام السياسي ولأن مستشار ترامب صرح بأنه سيعمل على تصنيف الإخوان جماعة إرهابية. ولخص الفكرة الرسم الكاريكاتوري الذي نشرته صحيفة «المصري اليوم» الذي أظهر الإخوان بعد النتيجة وقد أصبحوا عراة من أي ستر بعد هزيمة السيدة كلينتون. فرحة اليمين الإسرائيلي جاءت منافسة للبهجة التي عبر عنها الإعلام المصري، إذ في الوقت الذي كانت قناة «النهار» تبث الحوار الذي سبق ذكره فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان يلقي بيانا عبر التلفزيون وجه فيه تهنئة رسمية لترامب، مؤكداً على أنه صديق عزيز وقديم لإسرائيل، ومنوها إلى أن الرجلين سيعملان معا من أجل دفع الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة.

في الوقت ذاته سارع زعيم المستوطنين نفتالي بينيت إلى الإعلان عن أن انتخاب ترامب يعني انتهاء التعهد بإقامة الدولة الفلسطينية. واعتبر فوزه فرصة عظيمة لإسرائيل للإعلان فورا عن التراجع عن الفكرة. وأضاف أن «هذه هي عقيدة الرئيس المنتخب كما جاء في برنامجه الانتخابي، وهي بالتأكيد يجب أن تكون طريقنا». ثم لخص كلامه قائلا: بشكل واضح وجاد وبسيط أؤكد بأن عهد الدولة الفلسطينية انتهى. وقال المعلق السياسي في صحيفة هاآرتس باراك دافيد إنه لابد أن يكون نتنياهو سعيدا، خصوصا أن وثيقة السياسة الرسمية التي نشرها مستشار ترامب قبل أسبوعين تتضمن بنودا يبدو كأنها منسوخة من مواقف نتنياهو، خصوصا فيما تعلق بتعذر قيام الدولة الفلسطينية أو في الالتزام بنقل العاصمة من تل أبيب إلى القدس. في حين اعتبر انتخاب ترامب صدمة لأوروبا فإن المظاهرات الاحتجاجية الغاضبة خرجت في عدة مدن أمريكية تطالبه بالرحيل، كما تحدثت وكالات الأنباء عن أعداد من الأمريكيين قررت مغادرة البلاد واللجوء إلى كندا، إلا أن الموقف الألماني كان أشد وضوحا في التعبير عن الاستياء والحذر إزاء انتخابه. فالمستشارة الألمانية السيدة أنجيلا ميركل عرضت عليه تعاونا مشروطا باحترام القانون والحرية والمساواة. أما نائبها جابريل فقال إن ترامب هو رائد الحركة الاستبدادية والشوفينية الدولية الجديدة، ووزير الخارجية شتاينماير عبر عن أمله ألا يؤدي هذا الفوز إلى تصدعات كبيرة في السياسة الدولية. ووزيرة الدفاع فون دير لاين اعتبرت فوزه صدمة كبرى، وطالبته بتأكيد التزامه نحو الناتو. أما وزير العدل الألماني فقد قال إن فوز ترامب لن يكون نهاية العالم حقا، لكن يبدو أنه سيزداد جنونا (من تدوينة للصحفي وليد الشيخ المقيم بألمانيا).

لا تزال الأصداء تتردد قوية في أنحاء العالم حيث لم يصدق كثيرون أن الولايات المتحدة يمكن أن تنتخب رئيسا سوق نفسه انطلاقا من موقفين أحدهما كراهية الآخرين والمسلمين على رأسهم (دعا إلى منعهم من دخول الولايات المتحدة) والانحياز المطلق لإسرائيل. لذلك أزعم أن الادعاء بأن الرجل يعتبر السيسي مثلا أعلى له فيه إساءة للرئيس المصري وتشويه لصورته. أما ملاحظتي الأخيرة فأنقلها عن تدوينة سجلتها الباحثة دينا الخواجة قالت فيها: إن السعادة في مصر بفوز ترامب أصبحت تعني أن ما يربطنا ليس حب الوطن أو مشروع التقدم أو الإصلاح السياسي، وإنما مجرد كراهية الإخوان ومن لف لفهم.