سلطان محمد النعيمي

«لا شك أن انتخاب ترامب بالنظر إلى الظروف الحالية يُعد أفضل لنا»، ننتظر مع القارئ حتى نهاية هذا المقال لنكتشف أبعاد هذا التصريح وقائله.
أما الآن فنسير معًا لنكتشف كيف هي قراءة النظام الإيراني لفوز الرئيس المنتخب ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
تأتي الولايات المتحدة الأميركية من منظور النظام الإيراني بوصفها الخطر الوجودي له والساعية على الدوام إلى إسقاط النظام. يتجلى ذلك على الدوام في تصريحات مسؤوليه، وعلى رأسهم المرشد الإيراني، الذي يعتبر أن العلاقات مع أميركا خط أحمر، ولا يمكن الوثوق بها، وأنها ناقضة للوعود ولا يُؤمنُ جانبها.
يتساءل القارئ، وماذا عن تعاون النظام الإيراني مع الولايات المتحدة في كل من أفغانستان والعراق والمباحثات السرية بشأن الاتفاق النووي؟ الإجابة لدى المرشد الإيراني الذي أردف رفضه التفاوض مع الولايات المتحدة في ملفات المنطقة، بأنه من الممكن وجود مفاوضات معها بشرط أن تسير وفق أطر المصالح الإيرانية.
علامة التعجب تغزو فكر القارئ ولسان حاله يقول: وهل هناك من يفاوض ولا يصبو لمصلحته؟!!
هي إذن منطلقات النظام الإيراني في رؤيته للولايات المتحدة، ولا تقل تلك الرؤية عن الإدارة الأميركية، حيث نرى أن النظام الإيراني في تصريحاته لا يفرق بين الجمهوريين والديمقراطيين، باعتبار أن الاختلاف يأتي في التكتيك، أما الاستراتيجية فهي استراتيجية واحدة، حيث يرى حسين سلامي، نائب قائد الحرس الثوري، أن السياسات الأميركية تجاه إيران لا تتغير بتغير الرؤساء، ولقد أثبتت التجربة ذلك، شاطره في ذلك نائب رئيس جمعية علماء الدين المناضلين الأصولية المحافظة بالقول إنه «لا يوجد تأثير في السياسات الأميركية العامة، سواء جاءت هيلاري كلينتون أو ترامب.. فهناك عقول تعمل خلف الكواليس في أميركا وليس الرئيس، ويأتي الرؤساء ملتزمين بما يرسمه الآخرون لهم من وراء الكواليس».
مثل هذه التصريحات لم تتسق مع ردة الفعل الأولى للنظام الإيراني بعد فوز ترامب، الذي أدى مباشرة إلى استدعاء تصريحات ترامب حيال الاتفاق النووي في مخيلة النظام الإيراني، ليخرج بعدها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بالقول: «من المهم أن يتعهد الرئيس الأميركي الجديد بمراعاة الالتزام بالاتفاق النووي، ونحن متأكدون من أن المجتمع الدولي سوف ينتظر ذلك من الولايات المتحدة». إذن لم تكن تصريحات ترامب في الانتخابات من النوع الذي تلقاه النظام الإيراني على أنها مجرد تصريحات حملة انتخابية. وعلى الرغم مما قاله حميد أبو طالبي، مساعد الشؤون السياسية بمكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني، إن «الصورة التي رسمها ترامب لنفسه رئيسًا منتخبًا لأميركا في خطاب إعلان الفوز تختلف عن الصورة التي كان يقدمها خلال حملته الانتخابية، وهذه نقطة مثيرة للاهتمام»، يسير الرئيس الإيراني ليؤكد ما ذهب إليه ظريف وينطلق ليضفي البعد الدولي للاتفاق النووي بقوله: «وعي إيران في الاتفاق النووي يتجلى في إثباتها أن هذا الاتفاق ليس اتفاقًا مع حكومة أو دولة، وإنما قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بحيث لا يمكن تغييره بقرار من أي حكومة».
هذه القراءة لا تأتي بمعزل عن الملفات ذات الصلة التي تتجلى فيها مصلحة النظام الإيراني، وتأثير الموقف الأميركي عليها. فقد أكد الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، أنه لا تأثير لنتيجة الانتخابات الأميركية على السياسات والخطوات الإيرانية، مضيفًا أن النهج الإيراني المستقل لم يتأثر في أي وقت بتغيير الحكم في باقي البلدان.
وعلى الرغم من ذلك لم يخفِ النظام الإيراني رغبته في أن تقوم الإدارة الأميركية الجديدة بتغيير سياساتها في المنطقة، فانتخاب الشعب الأميركي ترامب يأتي من المنظور الإيراني، بوصفه رسالة واضحة من هذا الشعب في رفضه سياسات أميركا في العالم والمنطقة.
مما لا شك فيه أن تصريحات النظام الإيراني قد بنيت في الأساس وفق مخرجات الحملة الانتخابية لترامب، الذي أعلن أن الاتفاق النووي اتفاق سيئ للغاية، فالنظام الإيراني أخذ الكثير دون أن يعطي شيئًا. من هذا المنطلق جاءت تصريحات المسؤولين الإيرانيين تصب في هذا الاتجاه.
ولنا أن نتخيل لو فازت هيلاري كلينتون في الانتخابات، هل كانت قراءة النظام الإيراني وتصريحاته ستسير وفق ذلك؟ بالطبع لا، بل كنا سنرى التصريحات تتجه بصورة أكبر حول قضايا المنطقة، وخصوصًا محاربة الإرهاب وربط محاربته برفض ما كانت تتطلع له كلينتون بفرض حظر جوي في مناطق في سوريا، وما كان للاتفاق النووي أن يتصدر مشهد تصريحات النظام الإيراني.
أما مع ترامب وقضايا المنطقة، وخصوصًا الوضع في سوريا ومحاربة «داعش»، فلم نجد تصريحات من النظام الإيراني تتحدث باستفاضة عن ذلك الأمر، بل تعطي إشارات معززة لموقف ترامب، وهو ما تجلى باعتبار أن انتخابه نتاج لرفض السياسات السابقة للإدارة الأميركية وفهمها الخاطئ للمنطقة، وهو ما دفع بظريف للقول إن على الرئيس الأميركي الجديد فهم وإدراك واقع العالم المعاصر جيدًا وربط سياساته بذلك الفهم.
وبالطبع لا يمكن عزل ذلك الفهم أيضًا عن واقع الاتفاق النووي وربطه بواقع مصالح الشركات الأميركية والدول الغربية التي نجح النظام الإيراني في فتح الباب على مصراعيه لتلك الاستثمارات، لتكون أداة لعرقلة أي خطوات من شأنها التأثير سلبًا على تلك الانتخابات.
قراءة ترامب للمنطقة ومحاربة «داعش» والتناغم الذي يأتي على ما يبدو مع روسيا، يدفع باتجاه أن يكون النظام الإيراني مستفيدًا من ذلك، حيث لا خطر على نظام الأسد، وبالتالي استمرار نفوذه في المنطقة.
دعوة للقارئ الكريم لربط الفقرة السابقة مع الفقرة الأولى التي جاءت في هذا المقال وقائلها هو حميد رضا مقدم فر، المستشار الثقافي والإعلامي لقائد الحرس الثوري في إيران.