وليد شقير 

قالت مصادر لبنانية متصلة بالمواقف الديبلوماسية الغربية حيال المرحلة الجديدة في لبنان، أن هناك تسرعاً لبنانياً في تقدير الاستعداد الخارجي للإقبال على تقديم المساعدات إلى لبنان بعد انتخاب الرئيس ميشال عون، وتكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة الجديدة، سواء في ما يتعلق بما تردد عن استعداد فرنسي للدعوة إلى عقد مؤتمر باريس - 4 من أجل تأمين رزمة مبالغ تساعد على نهوض البلد اقتصادياً، أو في ما يتعلق بإمكان العودة إلى تفعيل الهبة السعودية إلى الجيش اللبناني بقيمة 3 بلايين دولار أميركي لشراء أسلحة فرنسية، كانت الرياض جمّدتها مطلع هذا العام.

وأوضحت هذه المصادر أنه على رغم الارتياح الخارجي، من الدول الكبرى ومن الدول العربية إلى إنهاء الفراغ الرئاسي، كمقدمة لتعاطي سائر الدول مع مؤسسات دستورية مكتملة قادرة على رسم السياسات وتتيح لهذه الدول التخاطب مع سلطة سياسية موحدة يمكنها أن تطمئن إلى إمكان مدها بالمساعدات من أجل ضمان الاستقرار، إلا أن توقع تدفق المساعدات على لبنان قد يكون مبالغاً به، من دون أن يلغي ذلك الاهتمام بتعزيز القوى العسكرية والأمنية لمواجهة الإرهاب وحفظ الاستقرار.

 

باريس - 4 ومن يدفع المال

وتتوقف هذه المصادر بالتحديد أمام الحديث عن استعداد فرنسي للدعوة إلى باريس - 4، داعية إلى التريث في هذا الشأن على رغم الرغبة اللبنانية في ذلك، استناداً إلى عوامل عدة من أبرزها:

1 - يفترض معرفة ما إذا كانت هناك دول مستعدة لتخصيص مبالغ إلى لبنان في هذه المرحلة، غير تلك التي دفعتها إلى الآن، تحت عنوان المساعدات المخصصة لتحمل عبء النازحين، وتلك الموجهة إلى دعم المجتمعات المضيفة وتحسين الوضع الاقتصادي لمناطق وجود هؤلاء النازحين. فثمة دول أوروبية ترى أنها خصصت جزءاً لا بأس به من المبالغ للبنان وربما لن تنفق أكثر مما أنفقته إلى الآن. ويقول بعض الديبلوماسيين في هذا السياق أن لبنان تلقى العام الفائت ما يقارب البليون وأكثر من 200 مليون دولار أميركي، وهو مبلغ ليس بيسير، فهل الدول المانحة مستعدة لأن تخصص مبالغ إضافية؟ والحصول على جواب عن هذا السؤال أساسي لإعداد تصور من أجل مؤتمر مفترض لباريس - 4، في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية والانكماش الاقتصادي العالمي.

2 - إن عقد أي مؤتمر لتقديم المساعدات إلى لبنان يتطلب برنامجاً واضحاً من جانب السلطة اللبنانية ومخططاً يبرر طلب المبالغ الإضافية من الدول المانحة، إذا كانت مستعدة لتمويل برنامج كهذا. فمؤتمرات باريس - 1 و2 و3 السابقة، لا سيما الأخير، كانت خصصت أموالاً تمّ ربط صرف بعضها بتنفيذ لبنان إصلاحات اقتصادية ومالية لم تحصل في شكل أدى إلى تجميد ما تبقى من تعهدات بأموال للجانب اللبناني. بالتالي، فإن افتراض الاستعداد لصرف المزيد من الأموال، يجب أن يقترن باستعداد لبناني لمعالجة الكثير من الثغرات في البنية الاقتصادية اللبنانية وفي التشريعات.

ومع أن الدول المعنية بتقديم المساعدات إلى لبنان لا تربط ما تقدمه إلى الجيش والقوى الأمنية بأي وضع سياسي، فإن الأوساط اللبنانية المتصلة بالقوى الخارجية تلفت إلى أن العواصم كافة ترصد في الوقت ذاته الوجهة السياسية التي ستسلكها التركيبة السياسية اللبنانية بعد انتخاب الرئيس عون. وأكثر ما تهتم به دول غربية عدة هو التأكد مما إذا كان اعتبار إيران و «حزب الله» أن نجاح عون انتصار لهما ولمحور المقاومة، سينعكس على سياسة لبنان الإقليمية في هذه المرحلة، ومن كيفية تطبيق ما ورد في خطاب القسم لرئيس الجمهورية عن «ضرورة ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية»، وعن مدى نجاح ما قاله الرئيس الحريري عن اتفاقه مع الرئيس الجديد «على تحييد دولتنا بالكامل عن الأزمة في سورية، لحماية بلدنا منها...». في وقت يستمر «حزب الله» في التورط في الحرب السورية، ما يرتب على لبنان أموراً كثيرة.

 

أسئلة حول تناقض باسيل

وتنقل المصادر اللبنانية ذاتها عن ديبلوماسيين غربيين يراقبون سلوك التركيبة الحاكمة الجديدة سؤالهم: «كيف يوفق مثلاً وزير الخارجية جبران باسيل الذي يمثل سياسة العهد الجديد بين قوله في حديث صحافي أنه يريد أفضل العلاقات مع السعودية، ثم يقول بعد يومين أثناء استقباله وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أننا نتشارك مع إيران في الموقف من أزمات المنطقة؟» في سياق دعوته إلى الحلول السياسية لهذه الأزمات.

وإذ ترهن معظم العواصم المهتمة بمراقبة الشأن اللبناني من زاوية موقع لبنان الإقليمي، موقفها بطريقة تشكيل حكومة الحريري والتوازنات داخلها، وببيانها الوزاري ثم بسلوكها من بعد نيلها الثقة، فإن أوساطاً لبنانية تتابع الأدوار الخارجية في لبنان بعيداً من التفاصيل اللبنانية، تدعو إلى عدم التقليل من أهمية الدور الذي سيلعبه رئيس البرلمان نبيه بري، بعد تفويضه من جانب «حزب الله» التفاوض باسمه على تشكيل الحكومة العتيدة، والذي يتوخى منه الحزب التشديد على وحدة المكونين الشيعيين الاستراتيجية، لا سيما إزاء خيارات الحزب الإقليمية، الأمر الذي يشكل ضمانة له داخل تركيبة الحكم الجديد مقابل خلط الأوراق في التحالفات.

وفي هذا السياق يرى قطب لبناني على صلة بالقوى الخارجية كافة انطلاقاً من موقعه، أن زيارة الوزير ظريف بيروت هدفت إلى تثمير ما تعتبره طهران انتصاراً لخيارها في الرئاسة اللبنانية، من طريق المزيد من الانفتاح الاقتصادي والثقافي والسياسي مع لبنان. ويقول القطب نفسه الذي التقى ظريف أن إيران تود الإفادة مما زرعته في لبنان بحيث جاء رئيس «محسوب عليها»، بالتالي تسعى إلى الدخول إلى البلد ومن اهتماماتها شبك علاقة مع المصارف اللبنانية لتمويل الاستثمارات ونقل الأموال، في ظل عدم انفتاح المصارف الأجنبية عليها وفق ما كانت تأمل به بعد رفع العقوبات بموجب الاتفاق على النووي مع المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية. وهذا يشكل تحدياً مستقبلياً على التركيبة الجديدة الحاكمة، لا سيما على الرئيس الحريري الذي لم يجامل ظريف حين التقاه فحدثه عن ضرر التدخلات الإيرانية في الدول العربية ولم يفته التلميح إلى تدخل طهران في لبنان أثناء الحديث عن المبادرة التي أطلقها الحريري بتأييد العماد عون لإنهاء الشغور الرئاسي.

وتقول مصادر واسعة الاطلاع لـ «الحياة» أن الوزير ظريف أبدى رغبة في زيارة لبنان في 31 تشرين الأول (أكتوبر) يوم انتخاب العماد عون لحضور جلسة انتخابه، إلا أن الرئيس بري نصحه بالتريث بعض الشيء إلى ما بعد الانتخاب.

وفي المقابل، فإن الموفد السعودي وزير الدولة للشؤون الخليجية ثامر السبهان حرص على مغادرة لبنان قبل 24 ساعة من انتخاب الرئيس الجديد «لأن اللياقة تقتضي ذلك»، كما قالت المصادر السياسية الواسعة الاطلاع. إلا أن المصادر نفسها تؤكد أن انفتاح الرياض على العهد الجديد، وتأييدها الخيار الذي سلكه الحريري تمّا في ضوء حرصها على ألا يلتحق الحكم الجديد بالموقف الإيراني في سورية، وفي سائر الدول العربية التي هي ميدان الصراع الإيراني - السعودي. وهو أمر لم يخفِ الجانب السعودي حرصه عليه.

وفي وقت وجهت الرياض دعوة إلى الرئيس عون لزيارة الرياض في الرسالة التي نقلها القائم بالأعمال وليد البخاري إلى وزير الخارجية جبران باسيل، فإن الجانب الإيراني أيضاً دعا عون إلى زيارة طهران. لكن الجانب اللبناني يرغب في زيارة السعودية بعد تشكيل الحكومة، آملاً بطي صفحة التأزم السابقة معها وبتحريك الهبة السعودية للجيش اللبناني، واستعادة العلاقات معها إلى سابق عهدها.

ويقول القطب السياسي الذي يراقب مدى إمكان التعايش السعودي - الإيراني في لبنان في المرحلة المقبلة، أن هناك مرحلة دقيقة ستمر بها علاقات لبنان الإقليمية ستتوقف عليها أمور كثيرة.