معصومة أحمد ابراهيم

 الكويت كلها منهمكة في الإعداد للمعركة الانتخابية، حيث لا صوت يعلو فوق «الصوت الانتخابي»، والجميع يصرِّحون – باقتناع أو بغيره – بأن الديموقراطية هي الحل الوحيد والناجع لكل المشكلات في مجتمعنا!
ولعل أحداً لا يجادل في أن الديموقراطية هي – على الأقل – الطريق الأكثر تحقيقاً للعدالة والمساواة بين المواطنين، لكن ما ننساه جميعا أن كثيرين منا وهم يتغنون بالبحث عن الديموقراطية، إنما يتورطون في شنق الديموقراطية ذاتها على مقصلة المصلحة الشخصية أو القبلية أو الفئوية، حيث نصبح جميعا ديموقراطيين حين تصب الديموقراطية في مصلحتنا، لكننا نعاديها إذا كانت تصب في مصلحة الآخرين!
وما ننساه أيضا أن الديموقراطية لا تنبت في قاعة البرلمان، بل هي تُلقي ثمارها فيها، أما بذور الأفكار والسلوكيات الديموقراطية فهي تُلقَى في البيت والمدرسة والجامعة، ثم تورق وتترعرع وتؤتي أُكُلَها في الحراك الدائم بين السلطات العليا الثلاث في قمة العمل السياسي.
وبمناسبة الجامعة، لا شك في أن من تأمل انتخابات اتحادات الطلبة التي انقضت أخيرا في جامعات الكويت على اختلافها، فإنما صدمته تلك المعارك الضارية التي اشتعلت، غير مرة، بين الطلبة المتنافسين على مقاعد مجلس إدارة الاتحاد، والتي أذكى نيرانها أن انضم إلى المعارك جموع الطلاب المناصرة لكل فريق، ما حول أروقة الجامعة إلى ميدان للتشابك بالأيدي وإشهار الأسلحة الحادة، وسفك الدماء الطلابية في ساحات أغلب الكليات. وفي الوقت الذي ننتظر فيه من شبابنا الجامعي أن يحققوا أولى خطواتهم على طريق «الألف ميل» الديموقراطية، كبداية لقيادة الكويت العزيزة في مستقبل أكثر ديموقراطية، ها نحن نُصدَم بارتكاب بعض الطلبة سلوكيات تنتمي إلى العنف أكثر مما تنتمي إلى العقل، وتنتسب إلى التخلف والغوغائية أكثر مما تنتسب إلى الديموقراطية والإيمان بالتعددية والتنافس الشريف والتعايش مع «الآخر المختلف». والمفزع أنه لو مُدَّ الخط على استقامته فيُخشَى أن تذبُل شجرة الديموقراطية الكويتية التي ظلت مزدهرة عقودا، وتجف المياه في غصونها، وهو أمر لو حدث فسنكون مسؤولين عنه جميعا!
وإذا أردنا تجاوز السطح، والغوص وراء الأحداث، بحثا عن الأسباب الكامنة خلف العنف الجامعي في منافسة انتخابية يفرض عنوانها الديموقراطي أن تكون بمنأى عن العراك والعنف، لوجدنا أن وراء هذه الظاهرة، يقف التعصُّب ضد الآخر، وإعلاء المصالح الذاتية والفئوية فوق مصلحة الجامعة، بل حتى مصالح البلاد العليا، ومصالح الطلاب أنفسهم، الذين ينبغي أن تمثل الانتخابات الجامعية أول تجربة حقيقية لهم، لإعداد أنفسهم لقيادة مستقبل الكويت التي تنتظر منهم المزيد من الديموقراطية القائمة على حرية العقل، وحرية الاختيار، ومن ثم التوافق على رأي الأغلبية، والتصالح والتنافس بين الآراء والأفكار على قاعدة المساواة بين الجميع، وليس التصادم والصراع والعراك انطلاقا من تعال زائف، أو أفضلية من نسج الخيال!
ونكمل في المقالة المقبلة.

أ. د. معصومة أحمد إبراهيم