سمير عطا الله

فجأة اتخذت أميركا حجمها السابق، سلبًا أو إيجابًا. العالم يتجمع حولها وينقسم. من سوريا مرورًا بإيران إلى أوروبا إلى المكسيك إلى وول ستريت، الجميع يريد أن يعرف سياسات دونالد ترامب حياله. ومن روسيا إلى إسرائيل إلى كوريا الشمالية، يتوقعون من ترامب ما لم يتوقعوه من أسلافه: الصداقة مع صاحب الكرملين، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والانفتاح على رغبات الفتى المبجل.
سوف تتراجع هذه الحماسيات في أمكنة وتستمر في أخرى، ولكن العالم أجمع سوف يستمر في «التحزّر»: ماذا سينفذ الرئيس من تهديدات المرشح الساخط على كل شيء؟ خصوصًا بصفته قائدًا أعلى للقوات المسلحة. وهل يكون الرجل الذي يريد منع دخول المسلمين، أول رئيس أميركي يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل؟
في الماضي، وعد رؤساء كثيرون بمسألة القدس خلال حملاتهم. وكنت أراهن على أنهم لن يفعلوا. ومع ترامب أخشى أن أكرر الرهان، لأن الرجل الذي غامر بأن ينطلق من اللاشيء لكي يصبح الرئيس الخامس والأربعين بعد لنكولن وروزفلت ومونرو وكيندي، يمكن أن يغامر في أي شيء.
من الآن إلى يوم التنصيب، سوف ينصرف الرئيس المنتخب إلى رؤية العالم كما هو، لا كما يشتهيه. وسوف يكتشف أن الرئيس لا يلقي خطبة كيفما اتفق، بل كل خطاب رسمي يكتبه خمسة مسؤولين قبل أن يصل إليه كي يضيف، أو يشحّل، ما يشاء. وسوف يكتشف أنه حتى في النظام الرئاسي، «الدولة العميقة» هي التي ترسم الخيارات، ولو لم يكن القرارات.
لقد كان لدى جورج دبليو وزيرا خارجية من عقلاء أميركا، كولن باول وكوندوليزا رايس، ومع ذلك، اتخذ أكثر السياسات والقرارات خطورة، في حق أميركا قبل سواها. ليس لدينا معيار نقيس به، في حالة ترامب. هذا أول مسؤول منتخب لم يتحمل أي مسؤولية عامة من قبل، ولا نشأ في عائلة سياسية أو بيئة سياسية. من «البرج» إلى البيت الأبيض مباشرة. والنظر إلى الناس من الأبراج العالية يموّه الحقائق ويشوه الأحجام ويعشو الأبصار.
العالم أمام ظاهرة لم يألفها من قبل. والواقعيون، مثل رئيس فرنسا، سارعوا إلى التفاهم مع الواقع الجديد. لكن الأهم هو كيف سوف يتعامل ترامب مع وقائع العالم. مشكلة أميركا عندما تنكمش، ومشكلة عندما تتمدد.