علي سعد الموسى

وبحسب ما تقوله قواعد نظرية تحليل الخطاب فقد عادت أميركا بفوز دونالد ترامب إلى أيام ريتشارد نيكسون ورونالد ريغان وجورج بوش الأب. ترامب هو إلهام من هؤلاء الثلاثة، وكلهم جمهوريون من الجناح اليميني بدرجات متمازجة من الاعتدال والتطرف. وقد يسأل أحدكم بموضوعية: ولكن الفارق الزمني لأكثر من ربع قرن سيجعل من العودة إلى المربع السياسي القديم بالغ الاستحالة تبعاً لتغير الظروف، وهنا الإجابة: أميركا تبرهن مع حقائق السياسة الخارجية على أنها لا تنتقل إلا ما بين مربعين: مربع استعراض القوة بدعم الحلفاء، ومربع الانكفاء إلى الداخل وترك القصص الملتهبة على الخريطة العالمية كما فعل بيل كلينتون وباراك أوباما بالضبط. وكل ما يهمنا هنا بالتحديد أن نقرأ هذا المزاج السياسي بالطريقة الصحيحة. نحن مع دونالد ترامب لا نحتاج إلى إعادة اختراع العجلة لأنها ذات العجلة التي كانت تعمل معنا بكل كفاءة مع آخر أربعة رؤساء جمهوريين في ذات البيت الأبيض. كل ما نحتاجه ليس إلا أن نتأكد أنه لا زال لدينا من دهاقنة الدبلوماسية من لا زال يتذكر الآلية التي صعدت بالعلاقات السعودية - الأميركية إلى الذروة مع هذا الكارتيل الجمهوري، ومن لا زال يدرس جيدا كيف وصلت مع أوباما إلى النقيض، وكل هذا بشرط ألا نستمع إلى النصائح الكوارثية التي تقول إننا لا نحتاج إلى علاقات متميزة مع الحكومة الأميركية أو حتى تسيطر علينا الأوهام بوجود بدائل تحالف غير الخيار الأميركي، من يتحدث بمثل هذه النظرية إنما يصعد بنا إلى حافة الهاوية.
خذ من الرسائل المطمئنة ما نشرته قناة "فوكس نيوز" البارحة من أن ترامب بادر بالاتصال الهاتفي بحلفائه ثم ذكرت "السعودية" كاسم أول على رأس القائمة. في المقابل، لم يفعل أوباما في شهره الأخير سوى رفض قانون "جاستا"، لكنه لم يفعل قبل صدور القانون شيئا على الإطلاق، ولو حتى بهاتف إلى قيادات "الكابيتول" من أجل ضمان بضعة أصوات لإبطال تمرير القانون. وهنا أكرر مرة أخرى أن كل ما علينا أن نفعله ليس بأكثر من أن نعيد قراءة ما كنا نقرؤه مع نفس الأوجه المتشابهة وإن قدمت بأسماء مختلفة إلى البيت الأبيض. وكل الدلائل تشير إلى أن فريق دونالد ترامب هم ذات الأسماء التي كانت طابور الصف الثاني قبل ربع قرن أو حتى مع بوش الابن. وهنا لا أجد أن لدينا صعوبة في قراءة الأفكار والتوجهات السياسية لأشخاص مثل نيوت غنغريتش أو جون بولتون أو تي كروز وبيرس، أو كل تلك الأسماء المطروحة بقوة لاحتلال ما يهمنا من المقاعد الرئيسية الأربعة في كابينة دونالد ترامب. كل هذه الأسماء في الخيارات التي سمعتها في الأيام الأربعة الأخيرة هي ذات الأسماء التي كانت تأتي للرياض ولو حتى كانوا يومها مجرد حملة حقائب في الصف المساعد خلف الزائر الأكبر ذات زمن. تبقى الحقيقة الأخرى أننا قد فقدنا معهم الاتصال والتواصل لفترة من الزمن، وأن هناك وقائع جوهرية غيرت شكل المعادلة في الفترة الرمادية ما بين زمنين، لكن الحقيقة الثابتة الموجبة أننا أمام طاقم جديد يعرف جيدا تاريخ العلاقات بين البلدين، ويدرك أهمية التحالفات، وأكثر من هذا ظامئ جدا لإعادة التواجد الأميركي على الساحة الدولية لإصلاح ما أفسدته سياسات الديمقراطيين الضعيفة والمترددة. الخلاصة أننا أمام مرحلة جديدة مطمئنة، ولنا تاريخ طويل في التعامل مع أفرادها، وكل ما علينا أن نفعله ليس بأكثر من فريق عمل بسيط يقرأ أفكار هؤلاء وتوجهاتهم ويحلل آراءهم المتوفرة في الأصل في أدبيات كثيفة، مع الأمل الشديد ألا نتردد أمام هذه الفرصة السانحة.