محمد خالد الأزعر

 لم يهدر المسؤولون الإسرائيليون وقتاً قبل التعامل الحميم مع دونالد ترامب، سيد البيت الأبيض العتيد. إذ استقبلوه بقائمة من المطالب لا يبشر أي من بنودها بخير للفلسطينيين، ولا يعد بإقرار السلم في فلسطين وجوارها.

ومن ذلك بلا حصر: توكيد الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها، عدم إزعاج إسرائيل بحل الدولتين، ومحو أي معلم للتعاطف الأميركي مع فكرة الدولة الفلسطينية من الأصل، معارضة أي تسوية مفروضة من مجلس الأمن.

وتأييد سياسة التوسع الاستيطاني في الضفة الفلسطينية وإجراءات تهويد القدس، تأييد سياسة إسرائيل تجاه إيران، قبول إسرائيل شريكاً عضوياً في محاربة «الإرهاب الإسلامي»، تجديد الالتزام بتعزيز الأمن الإسرائيلي وديمومة تدفق الدعم المادي والمعنوي، الذي طالما تعهدت به الإدارات الأميركية منذ قيام الدولة الصهيونية.

يقال إن ترامب لم يحظَ بتأييد سوى 18 % من أصوات اليهود الأميركيين، وكان 32 % فقط من الإسرائيليين يفضلونه رئيساً، مقابل انحياز 49 % منهم إلى منافسته هيلاري كلينتون.

وهكذا، فإن اللوبي اليهودي الإسرائيلي، داخل الولايات المتحدة وخارجها، لا يسعه الزعم بأنه ساهم بإخلاص في حمل ترامب إلى البيت الأبيض. شيء شبيه بذلك حدث مع باراك أوباما من قبل. وينطوي خطاب ترامب على عداء ظاهر وباطن للأقليات غير ذات الأصول الأنغلو ساكسونية المسيحية البروتستانتية البيضاء، المؤسسة للولايات المتحدة.

ولا نظن أنه يستثني اليهود من هذه النزعة التمييزية، التي تستطرد إلى الآسيويين واللاتينيين والمسلمين والمهاجرين الجدد، فضلاً عن تهكمه من النساء والمنادين بحقوق المرأة. وفي غمرة الحملة الانتخابية، شكك يهود أميركيون وإسرائيليون في نياته تجاههم، وألمحوا إلى تلقيه دعماً من منظمة كوكلوكلس كلان الموسومة بالعنصرية و«اللا سامية»، وكذا من محافل يمينية متطرفة أخرى..

والحال كذلك، ما الذي أطمع الإسرائيليين في أن يكون الرئيس ترامب كريماً بشكل فائض مع دولتهم، وجعلهم يأملون في تجاوبه مع مساعيهم غير الحميدة، ولا سيما تجاه الفلسطينيين؟.

إجابة هذا السؤال مبثوثة في رسالة التهنئة التي بعث بها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إلى الرئيس المنتخب «إن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل مبنية على قيم ومصالح مشتركة، إنني متأكد من أن الرئيس ترامب سيواصل تعزيز التحالف الفريد من نوعه بين بلدينا..».

نتنياهو وبطانته الصهيونية، يعلمون يقيناً بأن ترامب، بأحانينه العنصرية التمييزية، وأراجيفه ضد الآخرين، هو الزعيم المناسب لصيانة القيم والمصالح الأميركية الإسرائيلية القارة والمتشابهة، الموصولة بالعداء للآخر، والتمحور حول الذات المتورمة.

فترامب يتوخى تلميع وشحذ خطاب التميز للبيض البروتستانت الأنغلو ساكسون، وتجديد المسافة مع الآخرين، التي كادت تختفي وتتواري خلف غلالات ورقائق المفاهيم الديمقراطية وأطروحات حقوق الإنسان.

ومن جانبه، يبذل نتنياهو جهده لإعادة تقعيد الأبعاد العنصرية للمثل الصهيونية تجاه الأغيار. هذا إلى درجة الحرص على ضرورة إعلان إسرائيل دولة يهودية قحة، عليى الرغم من المسافة الفلكية التي تفصل بين خمس مواطنيها من العرب الفلسطينيين الأصليين، المسلمين والمسيحيين، وبين اليهود واليهودية.

هناك أرضية مشتركة تصل ترامب وجماعته، بنتنياهو وجماعته. أساسها القناعات العنصرية، ومفردات الفكر الأصولي.

قد يقال هنا إن خصومة ترامب للأقليات المغايرة، واليهود من بينهم، ربما عطلت انخراطه عميقاً في مثل هذه الشراكة، وأنه يجب علي نتنياهو، بل وعلى اليهود الأميركيين والإسرائيليين، أن يتحسبوا من امتداد هذه الخصومة إليهم.

لكن أصحاب هذا التصور، لا يأخذون في اعتبارهم أن نتنياهو وزمرته ليسوا يهوداً فقط، وإنما يهود صهاينة. ومن المعروف أن أحوال هؤلاء الأخيرين، أي الصهاينة عموماً، تزدهر وتنتعش في أجواء التمييز العنصري.

المثل الأشهر لهذا التعميم، ما حدث إبان الحقبة النازية، حين بلغ الخطاب الصهيوني أوج قوته وانتشاره في أوروبا، وتصادقت العنصريتان النازية والصهيونية وتظاهرتا على اليهود أنفسهم، الأمر الذي أفضى إلى التعاون على تهجيرهم إلى فلسطين، حتى بلغ المشروع الصهيوني فيها أوج قوته السكانية والاقتصادية والعسكرية.

الشاهد، أنه سواء أحال ترامب خطابه الديماجوجي الشعبوي العنصري أثناء الحملة الانتخابية إلى برنامج عمل لإدارته، أو أعرض عن بعض جوانب هذا الخطاب تحت ضغط الرشد المؤسساتي، فإن عهده لن يكون سيئاً لإسرائيل، لا سيما في ظل حكم نتنياهو وشركائه. فالعنصريون والمتطرفون يفهمون بعضهم البعض، ويتفاهمون مع بعضهم البعض، ولهم لغتهم ومصطلحاتهم وأنماط سلوكهم المشتركة.