سعيد الحمد 

ما قُوبلت وَوُجهت به التظاهرات والاحتجاجات ضد انتخاب ترامب رئيسًا، يطرح اكثر من سؤال حول الديمقراطية الأمريكية التي تصدّر لنا دروسًا هي أحوج ما تكون إليها.
فإدارة الرئيس المغادر قريبًا غير مأسوفٍ عليه «أوباما» تخصص مسؤولوها في تقديم دروس شبه يومية طوال فترة ما اسمته بالربيع العربي في الديمقراطية وأسلوب معالجة تلك المرحلة المشبوهة، واذا بهذه الادارة ترتكب كل ما كانت تنتقده من أساليب وأقدمت على كل ما كانت تدينه وتشجبه وتحتج عليه، وآخر ما ارتكبته هو مواجهتها للتظاهرات الاخيرة قبل أيام بالعنف ومسيلات الدموع والهروات وضرب المتظاهرين.
لسنا في وارد الجدل حول استخدام أو عدم استخدام المتظاهرين للعنف او البدء به، فهذه مسألة كانت ادارة أوباما ترفض نقاشها معنا حين نحتج وندفع بها امام سيل اداناتها لاسلوبنا في مواجهة ما ارتكبه الانقلابيون من اعمال عنف وتخريب وتهديد لأمن المواطن.
فكيف تسمح لنفسها بما لا تسمح به لسواها، وكيف تدفع بما كنا ندفع به وبما كانت ترفضه، هل نقول إنها ازدواجية معايير أم ان وراء الأكمة ما وراءها، وهي الارجح بل وهو المؤكد بعد التجربة مع واشنطن.
وسؤال آخر لا يقل اهمية وهو مدى اقتناع ومدى إيمان ومدى فهم الامريكي للديمقراطية التي ينظر لها ويفلسفها ويبدو لنا كأستاذ أو بروفيسور فيها، وهذه المجاميع الامريكية تحتج على نتيجة انتخابية جرت في مناخ وبأسلوب ديمقراطي وجاءت بترامب، فهل الاحتجاجات اصلًا ديمقراطية وتتسق مع مبدأ «الصندوق الانتخابي» وهو مبدأ ديمقراطي اصيل واساس؟؟
ترامب جاء بالانتخاب وبأغلبية فكيف تخرج تظاهرات ضد نتائج انتخابات في «عاصمة الديمقراطية»، وكيف نفهم ذلك بغض النظر عما إذا كانت النتيجة توافق مزاجنا أو تختلف عنه، فالقضية لا تنحصر في أشخاص واسماء ولكنها في المبدأ الديمقراطي وهو الاحتكام لصندوق الانتخاب والقبول بحكمه سواء معنا أم ضدنا.
بالطبع لا ندافع عن ترامب كما لم ندافع عن أوباما وهو يدخل البيت الابيض، فهذه نتائج الصندوق فلماذا يرفض بعض الامريكيين نتائجه بتظاهرات صاخبة، ولماذا تواجهها الشرطة بالعنف والهروات وهي التي قالت لنا استخدام العنف ضد التظاهرات والمتظاهرين قمع ومنع لا يجوز مع اي تظاهرة او أي احتجاج حتي لو استخدم المتظاهرون العنف والتخريب والفوضى الخطيرة؟؟
أمريكا تفصّل وتخيط ثوب الديمقراطية على مقاس مصالحها فقط، فما يجوز ويُشرعَن في واشنطن لا يجوز وغير شرعي خارج امريكا وبعيدًا عنها، وما هو ديمقراطي هناك قمع واستبداد وظلم هنا وإن تشابه، بل وإن زادت جرعته هناك، فالفرق بين هناك وهنا لا يُقاس بالقيم والمبادئ والمفاهيم الديمقراطية بل بمصلحة الجالس فوق عرش البيت الأبيض سواء كان أوباما او غيره.
وبين هذا وذاك سنلاحظ بلا كبير عناء الصمت المطبق الذي خيم على دكاكين حقوق الانسان وفي المقدمة منها الدكاكين الأمريكية التي دست أنفها بغلاظة ثقيلة في شؤوننا الى حدّ الاختناق والملل، وصمتت صمت القبور عمّا يجري هناك وبين ظهرانيها وفي صماعة بلادها ولمواطنيها.
بماذا نفسر الصمت وبماذا نفسّر هذا التلكؤ والتباطؤ حتى تضيع الأدلة والاثباتات وحتى تهدأ النفوس ويتلاشي كل شيء؟؟ الصمت له دلالته ومؤشراته الخطيرة التي تكشف عن أصل لعبة تلك الدكاكين، وعن دورها المرسوم وهدفها المسكوت عنه وعلاقاتها المشبوهة، وجميعها نقاط كبيرة نأمل أن نعرض لها قريبًا.